تشغيل التقنية الخضراء

نشر في 11-12-2013
آخر تحديث 11-12-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت تعد الطاقة الشمسية، بكل المقاييس من قصص النجاح الباهر على معظم الصعد، فالاختراقات التقنية والتحسينات المستمرة في مستويات الفعالية خفضت سعر الألواح الشمسية من 100 دولار أميركي-واط في السبعينيات إلى أقل من دولار أميركي- واط في الوقت الراهن.

لكن مع كل ذلك لا تزال الطاقة الشمسية تشكل أقل من 1% من استهلاك الطاقة العالمي، فبالنسبة إلى الطاقة الشمسية، مثلما هي الحال في العديد من التقنيات الخضراء الواعدة الأخرى، فإن التقدم التقني لم يتم ترجمته إلى مرحلة التطبيق والتشغيل على نطاق واسع.

المشكلة تكمن في تركيبة السوق، حتى نفهم السبب، فإن على المناصرين للطاقة الخضراء تعلم بعض الدروس من تقنية أقل بكثير من حيث الفخامة والمكانة، وهي تقنية "السيارات المستعملة".

يعزى التبني البطيء للطاقة الشمسية في العادة إلى تكلفتها، فتركيب ألواح شمسية في منزل واحد يكلف حوالي 30 ألف دولار أميركي تقريباً وبفضل المنجزات المتسارعة التي تتحقق على مستوى الفعالية التي تحظى بالإشادة، فإن ما يتم تركيبه حديثاً سيصبح قديماً بسرعة.

لكن الأميركيين يقومون بشكل روتيني بصرف 30 ألف دولار على السيارات، التي يقومون باستبدالها كل أربع أو خمس سنوات تقريباً، وتتوافر لديهم القدرة على القيام بذلك بسبب سوق السيارات المستعملة، فسوق السيارات المستعملة يساعد المستهلكين على تمويل شرائهم للسيارة القادمة، حيث يعرض موديلات السيارات الأقدم التي لا تزال صالحة للاستعمال بسعر مخفض للغاية. أن الفائدة والقيمة الحالية للسيارات المستعملة يخلق سوقاً متعدد الطبقات فيه خيارات عديدة على صعيد المواصفات وسعر الشراء.

بالنسبة إلى الجيل القادم من التقنيات، فإن العائق أمام الدخول ليس التكلفة الأولية بقدر ما هو عدم وجود سوق للجيل القديم من التقنيات الشمسية، ومن المؤكد أن سوق الطاقة الشمسية سيتوسع لو كان للمستهلكين الخيار بشراء ألواح شمسية أقل فعالية (موديل العام الماضي) بنصف القيمة على سبيل المثال. إن المخططين الحكوميين لن يواجهوا صعوبة في تبرير صرف مبلغ كبير على تقنية ستدوم لفترة طويلة– حتى لو أصبحت قديمة بسرعة- لو تأكدوا أن بإمكانهم أن يستعيدوا بعضاً من إنفاقهم خلال سنوات قليلة، كما أن احتمال قيام المستثمرين بتمويل انتشار واسع للألواح الشمسية سيزيد لو استمرت قيمة التقنية لفترة تتجاوز التعديل القادم في تصميم الخلية الشمسية.

إن حكمة الأسواق الثانوية تقول إنك لو حاولت أن تدخل تقنية جديدة مكلفة إلى السوق فيجب عليك أن تتأكد أن بوسع الناس شراءها مستعملة كذلك.

يبدو الطلب على الألواح الشمسية المستعملة واضحاً بالفعل في الدعوات المتكررة لتقنية شمسية أرخص، إذ إن هناك اهتماماً حقيقياً بفكرة إعادة تدوير التقنية الخضراء، لكن السوق الثانوي لتقنية الطاقة الشمسية لن ينشأ حتى تتم معالجة قضية أخرى وهي "سرعة التجديد".

لو نظرنا إلى عملية استبدال السيارات القديمة بالجديدة لوجدنا أن العملية سريعة وسهلة للغاية، فأنت بإمكانك أن تأخذ سيارتك إلى وكالة السيارات وتخرج من وكالة السيارات بسيارة أخرى، لأن جميع السيارات تستخدم نفس البنية التحتية للطرق.

على النقيض من ذلك، فإن تجديد الألواح الشمسية هي عملية بطيئة بشكل مؤلم، وعلى غرار العديد من التقنيات الخضراء، فإن الطاقة الشمسية تحتاج إلى بنية تحتية خاصة بها، وكل مصنع يصمم أنظمة بتخطيطات ميكانيكية وقواعد ووصلات كهربائية فريدة، ونتيجة لذلك فإنه لا يمكن ببساطة استبدال الألواح الشمسية القديمة بألواح جديدة، مما يعني أنه من أجل التحديث فإنه يتعين على زبائن الطاقة الشمسية ليس شراء السيارة فحسب، بل إعادة بناء الطرق، أيضاً.

ومن نافلة القول إن مثل هذا النوع من التحديث مكلف ليس بالنسبة إلى المستهلك فقط، ولأن البنية التحتية لكل لوح فريدة من نوعها، فينبغي على كل شركة للتقنيات الشمسية القيام بتدريب مجموعة متخصصة من الموظفين وتجهيزهم لتركيب وفك منتجاتها والاحتفاظ بهؤلاء الموظفين، وهذا يشكل بالطبع عبئاً مالياً كبيراً على أي شركة، ناهيك عن شركة جديدة في سوق جديد.

إن كلا من عنصري "سرعة التحديث" و"السوق الثانوي" للطاقة الشمسية يمكن تحسينهما عن طريق تخفيض نفقات المعاملات المرتبطة بتبني تقنية شمسية جديدة. إن مثل هذه النفقات- التركيبات لمرة واحدة والمستقلة عن التكلفة الجوهرية للتقنية- تشكل العائق الحقيقي للتبني الواسع للتقنيات الخضراء، فكلما انخفضت تكاليف تلك المعاملات تمكن أولئك الذين يتبنون تقنيات الجيل القادم مبكراً، من التحديث والانتقال إلى تقنيات الجيل التالي فإن ذلك يعمل على تسريع تطوير السوق الثانوي.

على سبيل المثال، فإن تكلفة تبني الطاقة الشمسية يمكن أن تنخفض بشكل كبير لو قمنا بتوحيد أحجام الألواح الشمسية وتركيبات القواعد، علما أن توحيد المقاييس سيسهل إلى حد كبير استبدال الألواح القديمة بألواح جديدة، مما سيخفض من نفقات المعاملة لكل تطوير من 40% من تكلفة النظام إلى صفر تقريباً. إن كلاً من الأسواق الأولية والثانوية للألواح الشمسية سوف تتوسع وتنقسم إلى طبقات وتصبح أكثر مرونة.

بوجه عام، فإنه يتوجب على الحكومات أن تستثمر في البنية التحتية التي تسهل نشر التقنيات الشمسية وغيرها من التقنيات بأسعار أقل، فمثل هذا الاستثمار يخلق منابر للابتكار والتجارة التي تحقق عوائد أكبر بكثير مما يمكن أن تحققه تقنية واحدة أو صناعة واحدة. إن استثمار الحكومة في الطرق وإشارات المرور والبنية التحتية للمواقف شكل الأساس لنشوء صناعة سيارات عالمية، وهذا يدعم اليوم التطوير المستمر في المركبات التي تعمل على الغاز والديزل والكهرباء، بالإضافة إلى المركبات الهجينة. وبالنسبة إلى قيمة الأموال، فإن مثل هذا الاستثمار كان أكثر فعالية من دعم شركة مصنعة للمركبات أو تقنية واحدة.

إن وجود قاعدة صلبة موحدة للتقنية الخضراء سيمكن المبتكرين من التخطيط على المدى الطويل، وفي ضوء الوضع الراهن، يتوجب على أصحاب المبادرات الخضراء اختيار تقنية واحدة من أجل الاستثمار فيها، وإذا لم يفوزوا بتركيبات كافية لاستخدام تلك التقنية، فإنهم يصبحون خارج اللعبة، فلن يصبح لديهم الفرصة لمحاولة تجريب تقنية أخرى، أو أن يعرضوا خصومات على موديلات السنة الماضية، أو توفير عقود خدمة على معدات قديمة، وهي استراتيجيات موجودة في صناعة السيارات وتساعد في التخفيف من الانخفاض في الموارد التي تتسبب فيها التقلبات في مبيعات السيارات الجديدة. إن العديد من الشركات الجديدة في مجال الطاقة الشمسية وقعت ضحية لهذه الديناميكية والمتمثلة بتحقيق نجاح أولي فقط.

وإن مواصلة الابتكار أمر حيوي لمستقبل التقنيات الخضراء، نظراً لأن جميعها، بما في ذلك الطاقة الشمسية، لا تزال تعاني مشكلات تقنية تحتاج إلى حلول، لكن العديد منها هي جيدة بالفعل لدرجة تجتذب المستهلكين وتثير اهتمامهم، ولا شك أن البنية التحتية التي تجعل التحديثات أسرع وأرخص ستسرع من تبنيها وتطويرها.

التقنية الخضراء مؤهلة ولديها القابلية لأن تصبح اللاعب الكبير القادم في السوق العالمي، لكنها بحاجة إلى موقع في هذا السوق حتى تنطلق.

* إدوارد يونغ ، عمل سابقا كبيراً للمصممين في «مايكروسوفت»، وهو يعمل حاليا مسؤولاً تقنياً تنفيذياً في شركة «المشاريع الفكرية».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top