مطر بنكهة الجَمْر!

نشر في 26-12-2013
آخر تحديث 26-12-2013 | 00:01
 مسفر الدوسري لماذا لا يبقى من هزائمنا في الحب:

سوى رائحة الجثث، والدم المتخثّر.. والأشلاء؟!

لماذا لا يبقى سوى صرخة جرح تأبى أن تنطفئ؟! ونار انتقام تصرّ ألا تصبح رماداً؟!

مطرٌ بنكهة الجمر،

وردٌ بطعم الطين،

وضمادٌ له فعل الداء،

وعطرٌ لا يؤدي إلى جنة ذاكرة،

وبعض شِعْرِ هجاءٍ معبّأ بقناني الليل،

هذا بعض ما يتبقى من هزائم الحب، وهذا ما يترك على سواحل قلوبنا بعد أن تهجرها النوارس، وأحياناً بلا عودة!

هزائمنا في الحب غالباً ما تحولنا إلى خناجر مسكونة بشهوة الدم، أو قطع متناثرة من ظلال على جدار الظلمة!

لا نعرف كيف نتعامل مع تلك الهزائم، ولا مع قلوبنا الثكلى،

نفقد دليل أفئدتنا، نحرق كل إرث للحب في قلوبنا، وكل ما بقي من ملابسه، وسجادة صلاته، وكتابه المقدّس، وتراتيله المجيدة، فتمتلئ صدورنا بالدخان الأسود!

هزائمنا في الحب تحيلنا إلى سواد مائل للرماد،

وحتى نتخلص من كل الآثار السلبية لهزائمنا تلك، بداية لابد أن نواري الجثث الثرى بأسرع وقت!

لا بد أن نتخلص منها ليس بعد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولكن قبل ذلك بقليل.

يجب ألا ندع للعفن بين أضلعنا موطئ قدم ناهيك عن وطن،

ألا نجعل للعفن زهرة تنمو بين الحنايا،

زهرة العفن لا تجذب الفراش وإنما الذباب فقط!

كل ما يتوقف في شريانه النبض نسارع بدفنه، داليات الأماني، مدائن الشوق، الرسائل التي تنتظر دورها عند بوابة النور، الهدايا المؤجلة لعيد الميلاد القادم للحب، الشجارات الودودة الصغيرة، التأكد بين الحين والآخر من شاشة الهاتف لعلّها خبأت لنا فرحة صغيرة دون أن ننتبه، تاج الحنين على قلوبنا،

لا بد أن نواري كل هؤلاء القتلى في الثرى،

نحمل قائمة بإسمائهم أجمعين، وندفنهم واحداً تلو الآخر، مبتدئين بوجوه من كانوا أحبابنا، والذين كانوا سبب هزيمتنا،

ما لم نقم بفعل ذلك سنظل محاصرين برائحة الموت النتنة،

بعدها نلتفت للجرحى من مشاعرنا،

نطبّب فيها ما يحتاج للطبّابة، ونسعف ما يحتاج للعلاج،

ولكي نحسن فعل ذلك،لا بد أن نعيد صياغة فهمنا لمعنى الهزيمة في الحب،

المنتصر في الحب غالباً هو المهزوم،

إنه ذلك الذي خرج من الحب سالماً معافى منه، وهذه أكبر هزائمه ولا يمكن أن يصنّف ذلك ضمن انتصاراته،

وهو نفسه ذلك الذي لم يُرشق بسهم منه،

ولم يغرق في قطرة مائه، ولم تبعثر رياحه سنابل عشقه لتصبح جنّة خضراء تملأ  روحه الجرداء،

هو ذلك الذي حصّن نفسه بتعاويذ المخاتلة وآيات الكذب، فلم يبلّل الصدق جوانحه، ولم يشعر بلذة في الجوى،

المنتصرون في الحب هم المهزومون حقّاً،

إنهم الناجون من جنّته لا من جحيمه،

أما أولئك الذين ينظر إليهم كمهزومين في الحب هم أولئك الذين صَدَقوه وصدّقوه، فتسامت أرواحهم بما ملَكَت من تقوى جعلتهم يبصرون جوهرهم ليصلحوا ما فسد منها، لو لم يكن لهم من الحب إلا هذا، لكفاهم ذلك نصرا.

فقط عليهم بدفن موتاهم بعد كل هزيمة، ووضع باقة ورد فوق كل قبر، ولينقشوا على شاهد القبر:

«ياحب

لا هدف لنا إلا الهزيمة في حروبك»!

لمحمود درويش.

back to top