المدينة الحزينة
تراجعت الكويت 6 مراكز على مؤشر "السعادة العالمي"، حيث حلّت في المرتبة الـ45 عالمياً ضمن 156 دولة، وذلك حسب المؤشر الصادر عن شبكة الحلول المستدامة، حيث يستند التقرير في تصنيفاته على مقاييس عدة، مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والرعاية الاجتماعية، ومتوسط الأعمار، والحريات الاجتماعية، والسخاء، وغياب الفساد. (الراي، 15 مارس 2019).هذا التراجع غير مستغرب بالطبع، فهو يأتي متزامناً مع تدهور أداء الكويت على عدة صعد، كمؤشرات الفساد والشفافية وحرية الرأي وجودة التعليم وتلوث الهواء وارتفاع نسبة مخلفات الفرد الضارة للبيئة، بل حتى في مجال الصحة كارتفاع نسبة السمنة. يبدو أننا الأفضل في كوننا الأسوأ! الدراسات عديدة والمؤشرات المقلقة تملأ الصحف العالمية قبل المحلية، فلا يسعني ذكر جميعها هنا.تُسلب الفرحة منا عن طريق منع شتى أنواع الأنشطة الترفيهية والرياضية– بل حتى الثقافية- تحت حجج واهية كالاختلاط والدعوة إلى الانحلال والتشكيك في أخلاقيات المنظمين والمشاركين، وهو الأمر المرفوض تماماً. إن هذه الأنشطة تحدث أمام الملأ والمشاركة فيها مفتوحة لجميع الناس بمختلف أطيافهم، فهي ليست جريمة تتم في الخفاء. المستغرب تزامن تأجيج الرأي العام على هذه القضايا الهامشية في حين تحدث الاختلاسات الكبرى– وهي الجرائم الحقيقية- في وضح النهار.
يسرق الازدحام الثمين من وقتنا، فنغدو حبيسي ذلك الصندوق المعدني المقيت– السيارة- لعدة ساعات كل يوم وسط ازدحام شديد وعلى شوارع متهالكة. يبدو "المترو" حلماً بعيد المنال على الرغم من الحاجة الشديدة لتطوير وسائل النقل العام ووجود الموارد الكافية لإنشائه بأسرع وقت. تُقتلع المباني التي غُرست في ذاكرتنا من جذورها وذلك في سلسلة هدم لمسح الذاكرة الجمعية واستبدالها بالمحلات التجارية العملاقة، فتذوب الهوية شيئاً فشيئاً، من سينما السيارات في الأحمدي ومجمع الصوابر السكني في مدينة الكويت إلى بيع قصر دسمان في المزاد العلني!تُمنع الكتب والفنون وتختفي البدائل الجيدة، فينغمس الشعب في الاستهلاك، حيث لا يوجد خيار للترفيه سوى ارتياد الأسواق والمطاعم، وفي ظل كل هذه الأجواء الخانقة يبحث الفرد عن وسائل للتعبير عن استيائه فيعدل عن ذلك خشية "القبض عليه"! فحتى الحسابات الوهمية على "تويتر" أصبح هنالك تهديد لمطاردتها وإزالتها.لا عجب إذاً أننا غير سعداء! فالرخاء المادي ليس كل شيء، وهو حالة مؤقتة لن تدوم طويلاً إذا ما اتكلنا على النفط دون خلق ثقافة إنتاجية.ليس الغرض من هذا المقال الشكوى فحسب، لكن لا يمكننا إنكار هذه الفوضى العارمة، ووجوب الحراك لإحداث التغيير الفعلي بخطوات عملية– سواءً أبدأت من الشعب أو من السلطة- نحو كويت أكثر سعادة.