حاسب كريم الدين يفشي سر ملكة الحيات (2 - 30)

الوزير شمهور الملعون يذبح الملكة... والملك كرزدان يشفى من المرض

نشر في 26-04-2020
آخر تحديث 26-04-2020 | 00:01
الف ليلة وليلة
الف ليلة وليلة
تواصل شهرزاد حكايتها عن حاسب كريم الدين، بعد أن تركه الحطابون في جب العسل، ولقائه ملكة الحيات وتعهده لها بعدم دخول الحمام، وحلفه يميناً بذلك، ثم حنثه باليمين، وكيف واجه الوزير الذي ألقى القبض عليه، وأحضر الوزير كتاباً وفتحه وصار يحسب، ثم قال: إن ملكة الحيات تجتمع برجل ويمكث عندها سنتين ويرجع من عندها ويطلع على وجه الأرض، فإذا دخل الحمام تسود بطنه، فقال لهم حاسب: «إن بطني أسود منذ ولادتي»، وفي هذه الحلقة يكشف حاسب سر ملكة الحيات، ووصيتها له قبل ذبحها على يد الوزير شمهور، وشفاء الملك كرزدان.
ولما كانت الليلة الثامنة بعد الخمسمئة قالت، بلغني أيها الملك السعيد إن حاسب امتثل لأمر الوزير وقال له: أنا أريكم الموضع الذي خرجت منه، فلما سمع الوزير كلامه فرح فرحاً شديداً وركب هو والأمراء جميعاً، وركب حاسب كريم الدين وسار أمام العسكر ومازالوا سائرين حتى وصلوا إلى الجبل، ثم دخل بهم إلى المغارة وبكى وتحسن ونزلت الأمراء والوزراء، وتمشوا وراء حاسب حتى وصلوا إلى البئر التي طلع منها، ثم تقدم الوزير وجلس وأطلق البخور وأقسم وتلا العزائم ونفث وهمهم، لأنه كان ساحراً ماكراً كاهناً يعرف علم الروحاني وغيره، ولما فرغ من عزيمته الأولى قرأ عزيمة ثانية وعزيمة ثالثة، وكلما فرغ البخور وضع غيره على النار ثم قال. اخرجي يا ملكة الحيات، فإذا البئر قد غاضت ماؤها، وانفتح فيها باب عظيم وخرج منها صراخ عظيم مثل الرعد حتى ظنوا أن تلك البئر قد انهدمت، ووقع جميع الحاضرين في الأرض مغشياً عليهم، ومات بعضهم وخرجت من تلك البئر حية عظيمة مثل الفيل يطير من عينيها ومن فاها الشرر مثل الجمر، وعلى ظهرها طبق من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجوهر، وفي وسط ذلك الطبق حية تضيء المكان ووجهها كوجه إنسان، وتتكلم بأفصح لسان وهي ملكة الحيات، والتفتت يميناً وشمالاً فوقع بصرها على حاسب كريم الدين فقالت له: أين العهد الذي عاهدتني به، واليمين الذي حلفته لي من أنك لا تدخل الحمام، ولكن لا تنفع حيلة في القدر، والذي على الجبين مكتوب ما منه مهروب، وقد جعل الله آخر عمري على يديك، وبهذا حكم الله وأراد أن أقتل أنا والملك يشفى من مرضه ثم إن ملكة الحيات بكت بكاء شديداً وبكى حاسب لبكائها.

وصية ملكة الحيات

اقرأ أيضا

ولما رأى الوزير شمهور الملعون ملكة الحيات مد إليها يده ليمسكها فقالت له: امنع يدك يا ملعون وإلا نفخت عليك وصيرتك كوم أسود، ثم صاحت على حاسب وقالت له: تعال عندي وخذني بيدك وحطني في هذه الصينية التي معكم واحملها على رأسك، فإن موتي على يدك مقدر من الأزل ولا حيلة لك في دفعه.

فأخذها حاسب وحطها في الصينية وحملها على رأسه وعادت البئر كما كانت ثم ساروا وحاسب حامل الصينية التي هي على رأسه، فبينما هم في الطريق قالت ملكة الحيات لحاسب كريم الدين سراً: يا حاسب اسمع ما أقوله لك من النصيحة وإن كنت نقضت العهد وحنثت في اليمين وفعلت هذه الأفعال، لأن ذلك مقدر من الأزل. فقال لها: سمعاً وطاعة ما الذي تأمرينني به يا ملكة الحيات؟ فقالت له: أوصيك إذا وصلت إلى بيت الوزير فإنه يقول لك اذبح ملكة الحيات وقطعها ثلاث قطع فامتنع من ذلك ولا تفعل وقل له: أنا ما أعرف الذبح لأجل أن يذبحني هو بيده ويعمل في ما يريد، فإذا ذبحني وقطعني يأتيه رسول من عند الملك كرزدان ويطلبه إلى الحضور عنده فيضع لحمي في قدر من النحاس، ويضع القدر فوق الكانون قبل الذهاب إلى الملك ويقول لك: أوقد النار على القدر حتى تطلع رغوة اللحم، فخذها وحطها في قنينة، واصبر عليها حتى تبرد واشربها، فإذا شربتها لا يبقى في بدنك وجع، فإذا طلعت الرغوة الثانية فحطها عندك في قنينة ثانية حتى يجيء من عندك الملك واشربها من أجل مرض في صلبي، ثم إنه يعطيك القنينتين ويروح إلى الملك فإذا راح إليه فأوقد النار على القدر حتى تطلع الرغوة الأولى فخذها وحطها في قنينة واحفظها عندك، وإياك أن تشربها، فإن شربتها فلم يحصل لك أي خير، وإذا طلعت الرغوة الثانية فحطها في القنينة الثانية واصبر حتى تبرد واحفظها عندك حتى تشربها، فإذا جاء من عند الملك وطلب منك القنينة فأعطه الأولى وانظر ما يجري له. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ذبح ملكة الحيات

وفي الليلة التاسعة بعد الخمسئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ملكة الحيات أوصت حاسب كريم الدين بعدم الشرب من الرغوة الأولى والمحافظة على الرغوة الثانية، وقالت له: إذا رجع الوزير من عند الملك وطلب منك القنينة الثانية، فأعطه الأولى وانظر ما يجري له ثم بعد ذلك اشرب أنت الثانية، فإذا شربتها يصير قلبك بيت الحكمة، ثم بعد ذلك اطلع اللحم وحطه في صينية من النحاس وأعط الملك إياه ليأكله، فإذا أكله واستقر في بطنه فاستر وجهه بمنديل واصبر عليه إلى وقت الظهر حتى يبرد بطنه، وبعد ذلك اسقه شيئاً من الشراب فإنه يعود صحيحاً بها، وحافظ عليها كل المحافظة، وما زالوا سائرين حتى أقبلوا على بيت الوزير.

بكاء شديد

فقال الوزير لحاسب: ادخل معي البيت فلما دخل الوزير وحاسب وتفرق العساكر وراح كل منهم إلى حال سبيله وضع حاسب الصينية التي فيها ملكة الحيات من فوق رأسه ثم قال له الوزير اذبح ملكة الحيات فقال له حاسب: أنا لا أعرف الذبح وعمري ما ذبحت شيئاً فإن كان لك غرض في ذبحها فاذبحها أنت بيدك، فقام الوزير شمهور وأخذ ملكة الحيات من الصينية التي هي فيها وذبحها. فلما رأى حاسب ذلك بكى بكاء شديداً، فضحك شمهور ومنه وقال له: يا ذاهل العقل كيف تبكي من أجل ذبح حية، وبعد أن ذبحها الوزير قطعها ثلاث قطع ووضعها في قدر من النحاس ووضع القدر على النار وجلس ينتظر نضج لحمها، فبينما هو جالس وإذا بمملوك أقبل من عند الملك وقال له: إن الملك يطلبك في هذه الساعة، فقال له: سمعاً وطاعة، ثم قام وأحضر قنينتين لحاسب وقال له: أوقد النار على هذا القدر حتى تخرج رغوة اللحم الأولى، فإذا خرجت فاكشفها من فوق اللحم وحطها في إحدى هاتين القنينتين واصبر عليها حتى تبرد واشربها أنت فإذا شربتها صح جسمك ولا يبقى في جسدك وجع ولا مرض، وإذا طلعت الرغوة الثانية فضعها في القنينة الأخرى واحفظها عندك حتى أرجع من عند الملك وأشربها، لأن في صلبي وجعاً عساه يبرأ إذا شربتها، ثم توجه إلى الملك بعد أن أكد على حاسب في تلك الوصية، فصار حاسب يوقد النار تحت القدر حتى طلعت الرغوة الأولى، فكشطها وحطها في قنينة من الاثنتين ووضعها عنده، ولم يزل يوقد النار تحت القدر حتى طلعت الرغوة الثانية فكشطها في القنينة الأخرى وحفظها عنده، ولما استوى اللحم أنزل القدر من فوق النار وقعد ينتظر الوزير.

القنينة الأولى

فلما أقبل الوزير من عند الملك قال لحاسب: أي شيء فعلت؟ فقال له حاسب: قد انقضى الشغل فقال له الوزير ما فعلت في القنينة الأولى؟ قال له: شربت ما فيها في هذا الوقت، فقال له الوزير: أرى جسدك لم يتغير منه شيء. فقال له حاسب: إن جسدي من فوق إلى قدمي أحس منه بأنه يشتعل مثل النار فكتم الماكر الوزير شمهور الأمر عن حاسب خداعاً ثم إنه قال له: هات القنينة الثانية لأشرب ما فيها لعلي أشفى وأبرأ من هذا المرض الذي في صلبي، ثم إنه شرب ما في القنينة الأولى وهو يظن أنها الثانية فلم يتم شربها حتى سقطت من يده وتورم من ساعته، وصح فيه قول صاحب المثل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.

بيت الحكمة

فلما رأى حاسب ذلك الأمر تعجب منه وصار خائفاً من شرب القنينة الثانية ثم تفكر وصية الحية وقال في نفسه: لو كان ما في القنينة الثانية مضراً ما كان الوزير اختارها لنفسه، ثم إنه قال: توكلت على الله تعالى وشرب ما فيها ولما شربه فجر الله في قلبه ينابيع الحكمة، وفتح له عين العلم، وحصل له الفرح والسرور وأخذ اللحم الذي كان في القدر ووضعه في صينية من نحاس وخرج به من بيت الوزير ورفع رأسه إلى السماء فرأى السموات السبع وما فيهن إلى سدرة المنتهى، ورأى كيفية دوران الفلك، وكشف الله له عن جميع ذلك ورأى النجوم السيارة والثوابت، وعلم كيفية سير الكواكب، وشاهد هيئة البر والبحر، واستيقظ من ذلك وعلم التنجيم وعلم الهيئة وعلم الفلك وعلم الحساب وما يتعلق بذلك كله، وعرف ما يترتب على الكسوف والخسوف وغير ذلك ثم نظر إلى الأرض فعرف ما فيها من المعادن والنبات والأشجار وعلم جميع ما لها من الخواص والمنافع، واستنبط من ذلك علم الطب وعلم الكيمياء وعلم السيمياء، وعرف صنعة الذهب والفضة، ولم يزل سائراً بذلك اللحم حتى وصل إلى قصر الملك كرزدان ودخل عليه وقبل الأرض بين يديه وقال له: تعيش رأسك في وزيرك شمهور. فاغتاظ الملك غيظاً شديداً بسبب موت وزيره، وبكى بكاء شديداً وبكت عليه الوزراء والأمراء وأكابر الدولة، ثم بعد ذلك قال الملك كرزدان: إن الوزير شمهور كان عندي في هذا الوقت وهو في غاية الصحة، ثم ذهب ليأتيني باللحم إن كان طبخه فما سبب موته في هذه الساعة وأي شيء عرض له من الأعراض، فحكى حاسب للملك جميع ما جرى لوزيره ثم إنه شرب القنينة وتورم وانتفخ بطنه ومات، فحزن عليه الملك حزناً شديداً.

شفاء الملك

وقال الملك لحاسب: كيف حالي بعد شمهور؟

فقال حاسب: لا تحمل هماً يا ملك الزمان فأنا أداويك في ثلاثة أيام، ولا أترك في جسمك شيئا من الأمراض فانشرح صدر الملك كرزدان وقال لحاسب: أنا مرادي أن أعافى من هذا البلاء ولو بعد مدة من السنين. فقام حاسب وأتى بالقدر وحطه أمام الملك وأخذ قطعة من لحم ملكة الحيات وأطعمها للملك كرزدان وغطاه ونشر على وجهه منديلاً وقعد عنده وأمره بالنوم فنام من وقت الظهر إلى وقت المغرب حتى دارت قطعة اللحم في بطنه، ثم بعد ذلك أيقظه وسقاه شيئاً من الشراب، وأمره بالنوم فنام الليل إلى وقت الصبح، ولما طلع النهار فعل معه ما فعل بالأمس حتى أطعمه القطع الثلاث على ثلاثة أيام فقب جلد الملك وانقشر جميعه فعند ذلك عرق الملك حتى جرى العرق من رأسه إلى قدمه وتعافى وما بقي في جسده شيء من الأمراض.

وبعد ذلك قال له حاسب: لابد من دخول الحمام، ثم أدخله الحمام وغسل جسده وأخرجه فصار جسمه مثل قضيب الفضة، وعاد لما كان عليه من الصحة وردت له العافية أحسن ما كانت أولاً، ثم إنه لبس أحسن ملبوسه وجلس على التخت وأذن لحاسب كريم الدين في أن يجلس معه فجلس بجانبه، ثم أمر الملك بمد السماط فمد وأكلا وغسلا أيديهما، وبعد ذلك أمر أن يأتوا بالمشروب فأتوا بما طلب فشربا.

ثم بعد ذلك أتى جميع الأمراء والوزراء والعسكر وأكابر الدولة وعظماء رعيته وهنوه بالعافية ودقوا الطبول وزينوا المدينة من أجل سلامة الملك، ولما اجتمعوا عنده للتهنئة قال لهم الملك: يا معشر الوزراء والأمراء وأرباب الدولة هذا حاسب كريم الدين داواني من مرضي، اعلموا أني قد جعلته وزيراً أعظم من مكان الوزير شمهور. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الوزير الأعظم

وفي الليلة العاشرة بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك قال لوزرائه وأكابر دولته أن الذي داواني من مرضي هو حاسب كريم الدين، وقد جعلته وزيراً أعظم من مكان الوزير شمهور، فمن أحبه قد أحبني، ومن أكرمه فقد أكرمني، ومن أطاعه فقد أطاعني. فقالوا له جميعاً: سمعاً وطاعة ثم قاموا كلهم وقبلوا يد حاسب كريم الدين وسلموا عليه وهنوه بالوزارة ثم بعد ذلك خلع عليه خلعة سنية منسوجة بالذهب الأحمر مرصعة بالدر والجوهر أقل جوهرة فيها تساوي خمسة آلاف دينار وأعطاه 300 مملوك، و300 سرية تضيء مثل الأقمار، و300 جارية من الجيش، وخمسمئة بغلة محملة من المال، وأعطاه من المواشي والغنم والجاموس والبقر ما يكل عنه الوصف.

الورقات الخمس

أمر الملك وزراءه وأمراءه وأرباب دولته وأكابر مملكته وعموم رعيته أن يهادوه، ثم ركب حاسب كريم الدين وركبت خلفه الوزراء والأمراء وأرباب الدولة وجميع العساكر وساروا إلى بيته الذي أخلاه له الملك ثم جلس على كرسي وتقدمت إليه الأمراء والوزراء وقبلوا يده وهنوه بالوزارة وجاء أهله وهنأوه بالسلامة والوزارة وفرحوا به فرحاً شديداً ثم بعد ذلك أقبل عليه أصحابه الحطابون وهنأوه بالوزارة، وبعد ذلك ركب وسار حتى وصل إلى قصر الوزير شمهور فختم على بيته ووضع يده على ما فيه.

ثم نقله إلى بيته وبعد أن كان لا يعرف شيئاً من العلوم، ولا قراءة الخط صار عالماً بجميع العلوم بقدرة الله تعالى، وانتشر علمه وشاعت حكمته في جميع البلاد، واشتهر بالتبحر في علم الطب والهيئة والهندسة والتنجيم والكيمياء والسيمياء والروحاني وغير ذلك من العلوم، ثم إنه قال لأمه يوماً من الأيام: يا والدتي إن أبي دانيال كان عالماً فاضلاً فأخبريني بما خلفه من الكتب وغيرها. فلما سمعت أمه كلامه أتته بالصندوق الذي كان أبوه قد وضع فيه الورقات الخمس الباقية من الكتب التي غرقت في البحر وقالت له: ما خلف أبوك شيئاً من الكتب إلا الورقات الخمس التي في هذا الصندوق، ففتح الصندوق وأخذ منه الورقات الخمس وقرأها وقال لها: يا أمي إن هذه الأوراق من جملة كتاب وأين بقيته؟ فقالت له: إن أباك كان قد سافر بجميع كتبه إلى البحر فانكسر به المركب وغرقت كتبه ونجاه الله من الغرق ولم يبق من كتبه إلا هذه الورقات الخمس، ولما جاء أبوك من السفر كنت حاملاً بك، فقال لي ربما تلدين ذكراً فخذي هذه الأوراق واحفظيها عندك، فإذا كبر الغلام وسأل عن تركتي فأعطيه إياها وقولي له: إن أباك لم يخلف غيرها وهذه هي، ثم إن حاسباً كريم الدين تعلم جميع العلوم، ثم بعد ذلك قعد في أكل وشرب وأطيب معيشة وأرغد عيش إلى أن أتاه هادم اللذات ومفرق الجماعات، وهذا آخر ما انتهى إلينا من حديث حاسب بن دانيال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى اللقاء في حلقة الغد

ملكة الحيات توصي حاسب بعدم شرب الرغوة الأولى من لحمها

حاسب يصير عالماً وحكيماً ويُنصَّب وزيرا

الوزراء والأمراء هنأوا الملك على سلامته وزينوا المدينة

حاسب أصبح خبيراً بعلم الفلك والحساب والتنجيم

الساحر يخرج من البئر حية تطير وعلى ظهرها طبق من الذهب الأحمر
back to top