صورة لها تاريخ : «الراس» قرية نشأت قبل أكثر من قرن واشتهرت بمنارتها المرتفعة
قبل عدة سنوات حصلت على عدة وثائق مرتبطة بقرية "راس الأرض" بالسالمية الحالية، وقبل نحو أربعة أشهر وجدت نفسي عاكفاً على البحث عن تاريخ "راس الأرض"، بعد أن حدثني الزميل عبدالوهاب عمران البنوان عن ذكرياته في تلك القرية الصغيرة التي سكنها والده، رحمه الله، وسكنها أيضاً جده لأمه المرحوم شاهين الغانم. ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم وأنا أسأل كل من له علاقة أو معرفة بالأسر، التي سكنت "الراس" لتدوين ما يمكن تدوينه من معلومات عن تلك القرية التاريخية. وقد تبين لي أن الكثير من الناس لا يعرفون أن "الراس" سكنتها عائلات كويتية منذ أكثر من 120 عاماً، وكانت هذه العائلات تعيش في بيوت طينية، ولديها مزارع تزرعها بما تحتاج إليه من خضراوات، كما تعمل في مهنة صيد الأسماك، ولكل عائلة سببها الخاص الذي دفعها إلى الاستقرار في "الراس"، فبعض العائلات سكنتها لامتهانها صيد السمك، وبعضها أراد أن يعيش بمعزل عن الناس، وبعضها اتخذها مقراً للراحة والاسترخاء، وبعضها لم تتوافر له الإمكانات المادية لأن يعيش في المدينة، فاختار قرية الراس.
وبدءاً من مقال اليوم، سأعرض للقراء الكرام على عدة حلقات معلومات عن بعض العائلات التي سكنت "الراس"، ولها فيه ذكريات وماض جميل.في البداية لابد لي من شرح موقع "الراس"، ومن ثم الإفادة ببعض المعلومات العامة، ثم أبدأ في المقال المقبل الحديث عن العائلات. "راس الأرض" هو مثلث من الأرض اليابسة في السالمية الحالية يحده البحر من ثلاث جهات، ويمتد إلى مسافة كيلومتر واحد شمالاً، وكيلومتر واحد إلى الجنوب، وحوالي نصف كيلومتر إلى الغرب. يحده من الشمال "الدمنة" أو السالمية كما نسميها اليوم، ومن الجنوب "البدع" و"أنجفة"، ويبعد عن مدينة الكويت نحو عشرة كيلومترات. سكنت عوائل قليلة قرية الراس على فترات مختلفة، ولكن القرية اشتهرت وزاد سكانها، بعد أن أقام الإنكليز فيها منارة كبيرة لإرشاد السفن ليلاً في عهد الشيخ مبارك الصباح. وحسب ما فهمته من أبناء العائلات التي سكنت "الراس" قديماً، تمتد البيوت على طول الساحل بشكل غير منظم، فبعضها يبعد أمتاراً قليلة، وبعضها يبعد عشرات الأمتار، ومعظمها غير متلاصقة، بل قريبة من بعضها. ويمكن تقسيم "الراس" إلى ثلاثة أحياء: الأول القسم الجنوبي الذي يحيط براس الأرض، ويمتد جنوباً على الساحل لمسافة مئات الأمتار وهو الأقدم. والقسم الثاني هو القسم الشمالي الذي يمتد من المنارة باتجاه الشمال على ساحل البحر، ويوجد فيه اليوم مبنى المركز العلمي، ومسجد الشيخ ناصر صباح الناصر. والقسم الثالث هو القسم الغربي، ويسمى أيضاً "المنزلة" ويقع غرباً من القسم الأول، وجنوباً من القسم الثاني، ويفصله عن القسم الأول تل صغير بنى عليه المرحوم حمد الصالح الحميضي ديوانية في الثلاثينيات أو الأربعينيات من القرن الماضي. ومن أشهر معالم "الراس" المنارة التي بناها الإنكليز في عام 1904م وظلت قائمة حتى بداية الستينيات عند تنظيم المنطقة ودفن البحر المحيط بالراس. في المقال المقبل إن شاء الله سنتحدث عن المنارة والموظف المسؤول عنها، وسأتناول تاريخ عائلة من العوائل القديمة التي سكنت قرية الراس.