العيد والفرح
تفقد مفردات اللغة دلالتها الطازجة، تأتي بوجه أصفر، حين تُرَدد لمجرد الترديد خالية من المعنى. فقبل ما يزيد على الألف عام، أطلق ذاك المتنبي (915-965) صرخة قلبه:عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُبمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
وإذا كان أبو الطيب يخاطب العيد، فربما تستحق مناسبة العيد منا الوقوف أمام عبارة؛ "كلُ عام وأنتم بخير"، التي صارت تُقال في مناسبة ودون مناسبة، عَتِقَ ولَمِع جلدها من كثرة الاستخدام، حتى صرنا نمرُّ عليها دون أن نلتفت إليها.أعياد الأمة الإسلامية مرتبطة بمواسمها الدينية المقدسة؛ فبانتهاء شهر رمضان المبارك، ينطلق المسلمون معبّرين عن فرحهم بكونهم أتمّوا الصوم والعبادة، وكذا عيد الأضحى المبارك، يأتي بعد مناسبة دينية كبيرة هي تأدية فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا، لكن، وقوفاً مستحقاً أمام أوضاعنا كعرب ومسلمين يظهر الهوة الساحقة التي باتت تفصلنا عن أي عيد وفرح، خاصة إذا تجاوز ذلك العيد الحالة الفردية الخاصة، وانتقل إلى عيد الأمة. ربما صحت العبارة؛ العيد للأطفال، فهم وحدهم يفرحون بصدق وعفوية لمجرد الفرح، تفرح أرواحهم الحبيبة بالملابس الجديدة، وبزيارات الأهل والأقارب، وأخيراً بما يُدسّ في أياديهم الناعمة من أعطيات العيدية. ويحق لهم الفرح، بل أرى أن أطفال العرب والمسلمين مطالبون أكثر من أي أطفال في العالم بأن يفرحوا بالعيد وبأي لحظة يلوّن الفرح وجهها ما داموا صغاراً، فلحظة يتسرب الوعي بأمور الحياة إلى فكرهم، لحظتها سيكتشفون مأزق الحياة التي يعيشون، ولحظتها سيصعب عليهم الفرح من القلب، ولحظتها لا يعود لعبارة "كل عام وأنتم بخير" أي معنى.إن نظرة فاحصة على أحوال أقطار الوطن العربي، تنطق بصعوبة الإجابة الحقة عن تساؤل ذاك المتنبي؛ عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ، فأوضاع الأمتين العربية والإسلامية، وعبر التاريخ الحديث، لم تكن في يومٍ سيئة ومؤلمة كما هي اليوم.ظلت أقطار الوطن العربي تعاني لعقود تخلفها الفكري والعلمي والسياسي والاقتصادي والتقني والاجتماعي مقارنة بأقطار كثيرة في العالم. لكن، ذلك التخلف كان تحدياً وحافزاً لأجيال كثيرة لتقديم الأفضل ومحاولة اللحاق بالآخر. اليوم، الإنسان العربي أمام وضع جديد، فهو أمام التخلّف، وأمام العنف والدم والقتل. الإنسان العربي اليوم ما عاد يحارب الأجنبي لتحرير أرضه بل صار يجمع شتات القتلة على أرضه ليحترب الأخ مع أخيه. وكم يبدو لافتاً أن العربي المسلم صار يتفنن في الإقدام على قتلٍ بشع، وعلى تمثيلٍ بجثث قتلاه، وعلى لفت أنظار العالم إلى همجية لا يمكن تفسيرها.القتل قتل، والعنف عنف، والموت موت، لكن، أن تُقطّع أوصال الأوطان العربية، وأن يُنكّل بالإنسان العربي، وأن يُهجّر الملايين، وتُدمّر بالكامل البنى التحتية، بما في ذلك المدن التي تحمل آثاراً لا يمكن بأي حال من الأحوال تعويضها، أن يصبح القتل دون ثمن وفي كل لحظة، وأن يموت أناس أبرياء مسلمون وغير مسلمين؛ أطفال ونساء وشيوخ، ويصبح منظر التفجيرات الإرهابية، الملتحف بالزي الإسلامي، هو الزاد الأكثر حضوراً على مائدة الخبر الإعلامي في طول وعرض العالم، فهذا هو المأزق والبؤس والألم.كل إنسان سوي يتوق للفرح، وكل إنسان سوي ينتظر فرحاً يهلّ عليه ويبلل قلبه بلقاء حبيب أو نجاح قريب أو جمع مع من طال فراقهم. لكن، كل هذا بات للعربي أحلاماً بعيدة. نحن في الكويت إذ منَّ الله علينا بالأمن في أوطاننا وأهلنا وأحبابنا، فلسنا ببعيد عن أهلنا في أقطار الوطن العربي، وما يجري عليهم من ضيم وحيف. ولذا ونحن نعيش أيام عيد الفطر، ليس لنا إلا أن ننظر إليهم بعين الأخ والمحب، بعين من يتمنى مساعدتهم بكل وسيلة، وليس أقل من أنه نشير إليهم على البعد قائلين؛ كلنا أمل بقدوم عيدكم الأجمل، يوم يعود الوطن وطناً باهياً حراً آمناً. ويوم يعود للفرح فرحه، ولحظتها ستردد أرواحنا معكم، عيدكم مبارك وأيامكم سعيدة.