Swiss Army Man خليط من الغباء والجدية
شملت الأفلام التي كثر الكلام عنها في مهرجان “ساندانس” السينمائي في مطلع هذه السنة Swiss Army Man. فيعكس هذا الفيلم خيالاً جامحاً وإبداعاً قوياً، فضلاً عن ميل غريب إلى الابتكار ولمحة متواصلة من العزلة والحنين. لكنه يضم أيضاً جثة تتكلم وتصدر غازات المعدة وغيرها من المفاجآت الجسدية.
يشكّل هذا الفيلم، الذي يتجرأ على الجمع بين الغباء والجدية، عملاً مبتكراً كتبه وأخرجه الثنائي دانيال كوان ودانيال شاينرت، اللذان يعملان معاً تحت الاسم Daniels (الدانيالان)، فتظهر في شارة الفيلم وإعلاناته بطاقة تعريف يرد فيها “فيلم للدانيالين”. وقد فاز هذا الثنائي بجائزة في مهرجان «ساندانس» .صحيح أن وصف القصة لا يعكس الجزء الأكبر من خليط الحزن والإعجاب في هذا الفيلم. ولكن إليك لمحة عنها: يكون هانك (بول دانو) على وشك أن ينتحر في جزيرة مقفرة، عندما يلاحظ جثة رماها البحر على الشاطئ. وسرعان ما يدرك أن صديقه الجديد ماني (دانيال رادكليف) قد يكون ميتاً، إلا أن له استعمالات كثيرة. وبعد استخدام ماني كدراجة مائية تعمل بغازات المعدة، بوصلة، وعاء ماء، قاطع خشب، وغيرها من الأدوات، يتوجهان إلى غابة معزولة، ومن ثم يرجعان إلى الحضارة كي يتمكن هانك من الاعتراف بحبه لساره (ماري إليزابيث وينستيد).صحيح أن عالم هذا الفيلم خيالي إلى أبعد الحدود، إلا أنه يحمل الكثير من الحقائق الداكنة.
يوضح شاينرت: «أحد أهداف هذا الفيلم الاستعانة بجثة تصدر غازات المعدة وإعادة تعريف ما تعنيه للمشاهدين. أردنا نقلها إلى موضعٍ لا تعود معه غازات المعدة مضحكة والجثث مقززة. كان هدفنا دفع المشاهد إلى الاهتمام حقاً بالجثة وما يعنيه أن تصدر غازات المعدة. وهكذا أعددنا دراما وجودية عن غازات المعدة. وعندما تبلغ هذه المرحلة، لا بد من أن تقرّ: «نعم، ولكن في الواقع تبقى غازات المعدة غازات معدة والجثث جثثاً». ولكن إن اكتفيت بتأمل أوجه هذا الفيلم الخيالية، تكون قد شاهدت وجهاً واحداً منه».يمتاز هذا الفيلم بتماسكه، جديته، وجرأته، مع أنه كل ما فيه يصلح أن يكون مادة لدعابة ناجحة. وهكذا يشكّل هذان المخرجان نموذجاً للإخراج الإبداعي في الألفية الجديدة، فيتحكمان في عملهما من خلال دقة قد تخالها خطأ متسرعة.شاينتر (29 سنة) من ألاباما وكوان (28 سنة) من ماساتشوستس. وقد التقيا في جامعة نيو إنغلند عام 2008، وبدآ بالتعاون معاً عام 2009. «وفي عام 2010، دفع لهما أحد المال لينتجا أعمالاً مماثلة»، على حد تعبير شاينتر.يذكر كوان، مشيراً إلى خلفيته في التصميم والأنيمايشن وخلفية شاينتر في مجال الكوميديا والمسرح: «أعتقد أننا نملك أذواقاً متشابهة. لكن مقاربتينا إلى صناعة الأفلام كانتا متناقضتين تماماً. لذلك لم يبدُ تعاوننا معاً منطقياً في البداية».يضيف شاينتر: «عندما تقابلنا للمرة الأولى، لم نتوافق كثيراً».
رواج ومهارات
لكن هذا الوضع سرعان ما تبدّل. وبعد أن لاقى أحد أعمالهما الباكرة رواجاً كبيراً على شبكة الإنترنت، واصل الثنائي العمل معاً. وقد ساهمت سلسلة من الأغاني المصوّرة في شحذ مهاراتهما، كما في أغنية My Machine لفرقة Battles التي نرى فيها رجلاً يسقط إلى ما لا نهاية على درج كهربائي، أغنية When the Night Falls لفرقة Chromeo التي تجعل فيها الموسيقى امرأة حاملاً، وأغنية Turn Down for What للاعب الموسيقى Snake وليل جون التي يخترق خلالها كوان السقف تلو الآخر في مبنى سكني. كذلك انتقل هذان المخرجان أخيراً للسكن في منزلين متجاورين في حي Highland Park في لوس أنجليس. أشار هذان المخرجان إلى أنهما تأثرا بفيلم Mister Lonely لهارموني كورين ومجموعة من الأعمال المصورة لمايكل غوندري، سبايك جونز، وكريس كانينغهام، وأكدا أن خليط الفكاهة الساخرة والابتكارات البصرية في أعمالهما القصيرة مهّد الدرب أمام المفاجآت الكبيرة من فيلمهما السينمائي الأول.يذكر المنتج جوناثان وانغ، الذي بدأ التعاون مع المخرجين في الأغاني المصورة وتابع العمل معها في الفيلم السينمائي: «كي تقدّم عملاً يستحق الثناء، عليك أن تفاجئ الناس. أعتقد أن الجميع رأوا كل شيء. وقد اعتدنا الأفلام التي تدوم مدة دقيقتين على موقع YouTube. فإن لم يعجبك ما تشاهده، انتقلت بسرعة وسهولة إلى العمل التالي”.على نحو مماثل، انجذب دانو بسرعة إلى هذا الخليط من المشاعر والفكاهة في السيناريو. لكنه يقر بأن إطار الفيلم الغريب قد يطغى على رسالته الفعلية.يتابع موضحاً: “يُعتبر هذا العمل اليوم مجرد فيلم عن جثة تصدر غازات المعدة. لكنني آمل أن يكون أكثر من ذلك لمن يشاهدونه. فيشمل Swiss Army Man الكثير من المشاعر ويتناول الوحدة والكآبة، فضلاً عن الفرح. أعتقد أنه يدور حول تعلّم التواصل مع العالم وصعوبة خطوة مماثلة ومدى العزلة التي قد نشعر بها”.بعد التوجه إلى المهرجان مع إعلان غامض قُدّم للمشاهدين الذين جهلوا أي تفصيل عن هذا الفيلم، أشارت تقارير كثيرة إلى أن عدداً كبيراً من الحضور لم يتابعوا مشاهدة الفيلم خلال عرضه الأول في مهرجان «ساندانس»، حتى إن مجلة Variety تحدثت عن “دفق متواصل من المشاهدين الذين قصدوا الباب”.ولكن سرعان ما شهدنا رد فعل تجاه رد الفعل السلبي هذا مع كثرة التقارير المناقضة التي أكّدت أن عدد مَن غادروا لم يكن كبيراً وأن الصالة كانت لا تزال تغص بالمشاهدين خلال عملية الإجابة عن الأسئلة التي تلت العرض. فقد أخبرت ميراندا بايلي، التي شاركت أيضاً في إنتاج الفيلم، مجلة Filmmaker: “كنت هناك ولم يحدث أمر مماثل”.وعن هذا العرض الأول يقول وانغ أيضاً: «خرافة الأعداد الكبيرة التي خرجت؟ هذا غير صحيح، ولكن لا بأس. سنتقبل هذه الكذبة لأنها تخدم الفيلم. لذلك لا أهمية لها».مهمة مستحيلة
يذكر كوان وشاينرت أنهما شعرا كلاهما بموجة من الدفء عندما اعتليا المسرح بعد العرض الأول.يخبر كوان عن تجربتهما في مهرجان «ساندانس»: «كانت تجربتنا في الواقع مغايرة تماماً لما قرأناه على شبكة الإنترنت. لكننا جلبنا ذلك على أنفسنا لأننا خدعنا المشاهدين بعدم إطلاعهم على قصة الفيلم الحقيقية. لكننا تعمدنا ذلك. فقد اعتبرنا هذا الفيلم هدية لمن يتمتعون بذوق مشابه لذوقنا. فلو جلسنا وشاهدنا الفيلم من دون أن نعرف مسبقاً عما يدور لرقصنا. لكننا قدمنا تجربة مختلفة تماماً لمن لم يكونوا مستعدين لذلك».ولكن من الطبيعي على الأرجح أن يولّد فيلم تعمّد مخرجاه لفه بوشاح من الغرابة والغموض كما Swiss Army Man (بجمعهما الأمل واليأس، القلب الذهبي والأمعاء المضطربة) ردود فعل متناقضة وأخرى مضادة.يخبر دانو: “أتذكر أن المخرجَين سألاني في بداية تعاوننا معاً: “هل من الممكن إعداد فيلم يدفعك فيه إخراج غازات المعدة الأول إلى الضحك والأخير إلى البكاء؟”. بدت لي هذه مهمة مستحيلة. لكنني فكرت أنه من الجيد أن نطمح إلى إعداد عمل مماثل”.