تداعيات «بريكست» بدأت وقد تفجر أزمة مالية عالمية جديدة
بلغ النمو العالمي البطيء، الناجم عن زيادة الديون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، نهايته، وبات يضغط على الدخل. كما أن العولمة، وهي الظاهرة الاقتصادية الأكثر أهمية في العقود الثلاثة الماضية، نقلت التصنيع والوظائف العالية الأجر من الغرب إلى آسيا.
بعد عقد من غياب النمو في القوة الشرائية لدى معظم المستهلكين، سواء في أوروبا أو أميركا الشمالية – باستثناء من هم في القمة، والذين حصدوا معظم مكاسب الدخل – أعرب الناخبون عن رفضهم للسياسيين الذين يدعمون الوضع الراهن الذي يتعذر الدفاع عنه.وقد تبين ذلك بجلاء من خلال الصعود المذهل للمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، والطرح القوي المدهش للاشتراكي بيرني ساندرز، والقرار غير المتوقع من الناخبين البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي.وقد بلغ النمو العالمي البطيء، الناجم عن زيادة الديون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، نهايته، وبات يضغط على الدخل. كما أن العولمة – وهي الظاهرة الاقتصادية الأكثر أهمية في العقود الثلاثة الماضية – نقلت التصنيع والوظائف العالية الأجر من الغرب الى آسيا.
ومع القليل من نمو حجم الوحدة وغياب قوة التسعير بشكل فعلي في هذا التوسع التجاري حققت الشركات نموا في الدخل في الحد الأدنى. وكان الطريق الى نمو الأرباح معززا للهوامش ومقلصا للتكلفة مع تأثيرات سلبية على تعويض العمل.وبغض النظر عن الحقائق، فإن السياسيين المتطرفين أقنعوا العديد من الناس بأن تقليص الدخل يرجع الى المهاجرين الذين يسرقون الوظائف ويكبحون الأجور من خلال قبولهم بأجور متدنية. وتمثل الممارسات التجارية غير العادلة من جانب الصين والدول الناشئة الاخرى جدالا آخر كما هي الحال بالنسبة الى الإرهاب من قبل المهاجرين المسلمين.وكان البريكست ذروة هذا التوجه الشعبي مع انضمام حتى البريطانيين الرصينين عادة، والذين تمتعوا بنمو أسرع من بقية شعوب القارة. وقد ثاروا ضد التنظيمات القاسية من جانب البيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل. ويوضح البريكست وتداعياته أن العديد من القوى التي دفعت النمو العالمي في العقود السابقة قد تبددت الآن. وقد تم بشكل تقريبي نقل كل التصنيع الذي يمكن تحويله بصورة اقتصادية من الغرب الى الشرق. والحمائية في صعود، وكذا الحال بالنسبة الى المحاولات المتعددة لخفض العملات مقابل الدولار، وذلك في جهد يرمي الى تحفيز الاقتصاد المحلي الضعيف. وتراجع النمو التجاري الأجنبي طوال سنوات، ولكنه سوف يتفاقم بقدر أكبر من خلال الحمائية المدفوعة بالبريكست والشكوك المحيطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهكذا يصبح الركود في بريطانيا والاتحاد شبه حتمي.ويشكل البريكست أيضا نهاية محاولات ما بعد الحرب العالمية الثانية لتوحيد أوروبا سياسيا واقتصاديا وماليا، هل سيشكل البريكست عدوى؟ هذا خطر حقيقي تماماً.وفي ما هو أبعد من أوروبا، سوف يفضي النمو الاقتصادي العالمي الأبطأ وهبوط التجارة الدولية الى كبح أشد في النمو في الصين التي تعتمد على التصدير، وفي الدول النامية الاخرى التي ترسل معظم صادراتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة الى أوروبا وأميركا الشمالية.والنمو العالمي الأكثر بطئا ووفرة إمدادات السلع يعني أن المصدرين سيضطرون الى خفض قيمة عملاتهم بغية كسب المزيد من الدولارات. وسيجعل هذا خدمة ما قيمته 1.15 تريليون دولار من سندات الشركات غير المصرفية في الأسواق الناشئة أكثر تكلفة. وبالنسبة الى المستثمرين يبقى الدولار الذي يشكل الملاذ الآمن والخيار المفضل للشراء. ويزيد تباطؤ النمو العالمي أيضا من احتمال الوصول الى سعر مستهدف لبرميل النفط يراوح بين 10 و20 دولارا. ولم تعد منظمة أوبك راغبة في خفض الإنتاج بغية الحفاظ على أسعار النفط، فيما تحصل أطراف أخرى على حصة سوقية. وفي حرب الأسعار هذه تشكل التكلفة الهامشية حدود القاع – 10 إلى 20 دولارا للبرميل في حوض بريميان، وأقل من ذلك في منطقة الخليج العربي.ويسهم هبوط أسعار النفط في الانكماش، وهو ما اتضح في الأساس بأسعار البضائع في شتى أنحاء العالم، وسوف يمتد الى الخدمات. وإذا أفضى ذلك الى انكماش عام مزمن، فإن المشترين سيحجمون توقعا لمزيد من الهبوط في الأسعار كما حدث في اليابان طوال عقدين من الزمن، وهو ما يؤدي الى مزيد من الخفض في النمو الاقتصادي.أنا أتوقع مزيدا من التيسير من المصارف المركزية بقيادة بنك إنكلترا – وستستفيد من ذلك عملات الملاذ الآمن، وستستمر سندات الشركات العالية الدرجة في اجتذاب المستثمرين المتعطشين الى الأرباح.وسوف تصبح معدلات الفائدة السلبية أكثر شيوعا مع تحول التضخم الى انكماش في الأسعار. وهذه أنباء سيئة على صعيد عالمي، وخاصة بالنسبة الى البنوك. وفي حقيقة الأمر، أنا أظن أن تداعيات البريكست والهبوط في أسعار النفط يمكن أن يعجل بحدوث أزمة مالية وركود عالمي. وسيدفع الناخبون «الغاضبون بشدة» المشرعين الى تنفيذ تحفيز مالي رئيس. والسؤال هو: هل سيفضي ذلك الى إنقاذ الحال واستعادة النمو الاقتصادي؟ أنا آمل ذلك بالتأكيد.