الموصل: معارك في أكبر بلدة مسيحية... وقادة «داعش» يفرون
• «الحشد» يؤكد المشاركة و«التحالف» لن يدعمه
• «داعش» يحرق مباني ويجمع المدنيين وسط المدينة
• العبادي يجري زيارة خاطفة لنينوى
• موسكو تتخوف من فرار مقاتلي التنظيم إلى شرق سورية
خاضت القوات العراقية معارك عنيفة، أمس، في ضواحي مدينة قرقوش أكبر مدينة عراقية مسيحية لطرد تنظيم داعش منها، وذلك في اليوم الثالث من عمليات تحرير مدينة الموصل، في وقت أكدت الولايات المتحدة أن قادة التنظيم المتطرف بدأوا بالفعل الفرار من المدينة، الأمر الذي يعني أن العمليات قد تشهد تقدما سريعاً.
واصلت القوات العراقية المشتركة، أمس، عمليتها العسكرية الواسعة لتحرير مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى شمال العراق، وأكبر مدينة سنية في البلاد من سيطرة تنظيم "داعش".وبعد تقدم سريع في اليومين الأولين، تميز اليوم الثالث، ببعض الإرباكات، سواء من الناحية الميدانية، حيث تبين وجود ثغرات لوجستية وعملياتية في الهجوم، أو من الناحية السياسية، حيث عاد موضوع مشاركة "الحشد الشعبي" في المعركة الى الواجهة.واشتعلت 3 جبهات بالقتال من أصل 6. وتمكنت قوات الجيش العراقي، أمس، من تحرير قرى البكر وصعيوية ونجمة المهندس والبجوانية والعصمانية، ضمن محور الجزيرة جنوبي نينوى.
معركة قرقوش
وواصلت القوات العراقية، أمس، تقدمها نحو قرقوش، أكبر البلدات المسيحية في البلاد، بهدف استعادتها من تنظيم "داعش". واقتحمت أمس الأول ضواحي قرقوش التي تقع على بعد نحو 15 كلم جنوب غرب الموصل، لكن المواجهات مستمرة مع جهاديين يتحصنون داخل المدينة.وقال ضابط عراقي إن قوات من مكافحة الإرهاب التي تولت مهام صعبة خلال عمليات نفذتها القوات العراقية في الفترة الماضية، تستعد للسيطرة على قرقوش.وأوضح الضابط، وهو برتبة عقيد في القوات البرية، وكان يتحدث من قاعدة القيارة، أحد أكبر مقار القوات الأمنية العراقية في المنطقة "نحن نحاصر الحمدانية الآن"، في إشارة الى المنطقة التي تقع فيها مدينة قرقوش المسيحية.وأضاف: "نعد خطة لاقتحامها وتطهيرها بعد ذلك". وتابع: "توجد جيوب وتدور اشتباكات وأرسلوا (الجهاديون) سيارات مفخخة، لكن هذا لن ينفعهم".واحتفل مئات المسيحيين في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراقي، مساء أمس الأول، بتقدم القوات العراقية نحو مدينتهم التي اضطروا إلى الفرار منها حين سيطر عليها تنظيم "داعش" قبل سنتين.وقرقوش هي أكبر مدينة مسيحية في العراق وكان يعيش فيها 50 ألف شخص عشية استيلاء الجهاديين عليها في أغسطس 2014 في هجوم دفع الغالبية العظمى من أبنائها الى الفرار.30 كيلومتراً
وتسعى القوات العراقية الى محاصرة مدينة الموصل من جهات عدة بينها المحور الجنوبي، حيث تتحرك قوات حكومية انطلاقا من قاعدة القيارة على امتداد نهر دجلة. في موازاة ذلك، تتقدم قوات البيشمركة الكردية من المحور الشرقي.وباتت القوات العراقية، أمس، في قرية باجوانية الواقعة على بعد حوالي 30 كيلومترا جنوب الموصل.الموصل
وفي الموصل، قال سكان اتصلت بهم إن العديد من الشوارع تغلق أمام حركة المرور ليلا، وتكون نصف فارغة أثناء النهار. وقال مسؤول عسكري أميركي إن قادة "داعش" بدأوا بالفعل الفرار من الموصل. وقالت مصادر إن التنظيم يجمع المدنيين في قلب المدينة، في الجهة الغربية، حيث يوجد معظم مقاتليه.وأفاد سكان محليون، أمس، بأن تنظيم "داعش" فجر مباني حكومية في مناطق متفرقة في الموصل. وقال السكان إن عناصر "داعش" قامت بتفجير مبنى محافظة نينوى بواسطة براميل مادة "تي إن تي"، ما أسفر عن تدمير المبنى بالكامل وإلحاق أضرار كبيرة في المحال التجارية والمنازل السكنية القريبة من المبنى في شارع الجمهورية وسط الموصل.وأشاروا إلى أنه تم تفجير مباني مديرية الجوازات والجنسية العراقية في منطقة باب البيض، ما أسفر عن إلحاق أضرار كبيرة في صفوف المدنيين وأيضا المباني القريبة والمحال التجارية بالمنطقة، موضحين أن التنظيم اعتقل 12 من موظفي دائرة صحة نينوى واقتادهم الى جهات مجهولة دون معرفة أسباب الاعتقال بينهم أربعة أطباء جراحين.وقدر قائد القوات الخاصة العراقية الفريق الركن طالب شغاتي، أمس، عدد عناصر تنظيم "داعش" بين 5000 و6000 مقاتل يتصدون لهجوم القوات العراقية على مدينة الموصل.نزوح
ووسط فرار ونزوح الآلاف، قال ضابط برتبة رائد في الشرطة الاتحادية: "تدقق قواتنا في الهويات الشخصية مقارنة بمعلومات من مصادر محلية للبحث عن عناصر من داعش". وبدا معظم الرجال والشباب بلحى طويلة، لأن الجهاديين كانوا يحرمونهم من حلاقة ذقونهم. ووصل أمس أكثر من 6 آلاف مدني الى المناطق الكردية في الحسكة شرق سورية.الحشد الشعبي
إلى ذلك، قال الحشد الشعبي إنه سيدعم القوات الحكومية المتقدمة صوب تلعفر الواقعة على بعد نحو 55 كيلومترا غربي الموصل. وستؤدي السيطرة على تلعفر إلى قطع طريق الهروب فعليا أمام مقاتلي تنظيم "داعش" الذين يريدون دخول سورية المجاورة. ولكن ذلك قد يعرقل أيضا هروب المدنيين من منطقة الموصل التي قالت تقارير إن مقاتلي التنظيم يحاولون استخدام سكانها دروعا بشرية.وقال بيان على موقع الحشد الشعبي في الإنترنت، إن الحشد "سيكون ظهيرا للقوات الأمنية من المحاور الغربية، وهو بشقين أولهما تلعفر والثاني إسناد القوات المتجهة لمركز الموصل".وفي تعليق على إعلان الحشد مشاركته في العملية، قال مسؤول عسكري أميركي للصحافيين في واشنطن، أمس، إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا يدعم الفصائل الشيعية في قوات الحشد الشعبي، ولم ير لهم وجودا ضمن أي تشكيل يدعمه التحالف في عملية استعادة الموصل.وأضاف الميجر جنرال جاري فوليسكاي، قائد القوات البرية التابعة للتحالف في المعركة ضد مقاتلي تنظيم "داعش": "فيما يتعلق بقوات الحشد الشعبي الشيعية... لا يدعم التحالف سوى العناصر الواقعة تحت القيادة والسيطرة المباشرة لقوات الأمن العراقية، وقوات الحشد الشعبي الشيعية ليست كذلك. لذلك فإننا لا ندعمها".أسلحة كيماوية
وتوقع مسؤولون أميركيون أن يستخدم تنظيم "داعش" أسلحة كيماوية بدائية وهو يحاول صد هجوم بقيادة العراق في مدينة الموصل، على الرغم من أنهم قالوا إن قدرة التنظيم الفنية على تطوير مثل هذه الأسلحة محدودة للغاية. في المقابل، أكد قائد عمليات نينوى نجم الجبوري، وجود خطط في حال استخدام "داعش" أسلحة كيمياوية.العبادي
وقام رئيس الوزراء حيدر العبادي، أمس، بزيارة إلى محافظة نينوى، تفقد خلالها قوات جهاز مكافحة الإرهاب والرد السريع، وفيما تعهد برفع العلم العراقي في مدينة الموصل بعد تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش"، دعا المقاتلين إلى اليقظة والحذر من "أساليب أخرى" قد يلجأ إليها التنظيم.موسكو
في السياق، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول، محادثات هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بحث معهما خلالها عملية استعادة الموصل. وأعلن "الكرملين"، في بيان، "تمنى بوتين النجاح الكامل للجيش العراقي وحلفائه من أجل تحقيق هدفهم". كما وعد الرئيس الروسي رئيس الوزراء العراقي بدعمه في الحرب على الإرهاب. وفي مكالمة هاتفية منفصلة، بحث بوتين معركة الموصل مع الرئيس التركي، وفق ما أورد "الكرملين" من دون كشف تفاصيل هذه المكالمة.وحذرت رئاسة أركان الجيش الروسي، أمس، من أن الهجوم الذي يشنه الجيش العراقي بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على الموصل يجب ألا يؤدي الى "إخراج إرهابيي" تنظيم داعش من العراق الى سورية.وقال الجنرال فاليري غيراسيموف تعليقا على هجوم الموصل الذي لم يبدأ فعليا بعد، بحسب رأيه "يجب عدم إخراج الإرهابيين من دولة الى أخرى، إنما القضاء عليهم حيث هم"، مضيفا، "نأمل في أن يكون شركاؤنا في التحالف الدولي على إدراك لما يمكن أن يحصل لهذه المجموعات المسلحة من التنظيم وهي تندحر".وأكد غيراسيموف أن الاقمار الاصطناعية العسكرية تراقب الوضع في الموصل، وكذلك حوالى 10 طائرات استطلاع وطائرات من دون طيار.وبين أنه "رغم صخب محطات التلفزة الغربية، يجب معرفة أن الهجوم لم يبدأ في الواقع بعد"، لافتا فقط الى نيران مدفعية "وتركز وحدات" قرب الموصل. وكان نظام الرئيس بشار الأسد وحزب الله حذرا من فرار "داعش" من الموصل الى معقله في الرقة شرق سورية.تركيا
في غضون ذلك، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، أن موقف بلاده تجاه العراق "ليس تلويحا بالحرب أو انتهاكا لسيادته"، وأشار الى أن بلاده "ستكون في الموصل من أجل الكفاح عن استقلالنا ومستقبلنا". وأكد إردوغان: "لن ننتظر حتى يدق خطر المنظمات الإرهابية أبواب بلادنا، سنقوم من الآن بملاحقة هذه المنظمات، وننقض عليها أينما وجدت لإنهاء فعالياتها والقضاء عليها". وأعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، بدء جولة له من تركيا اليوم وتشمل الإمارات وفرنسا وبلجيكا، لبحث آخر تطورات الحرب ضد تنظيم داعش في العراق وسورية، لاسيما معركة الموصل. وأعلنت أنقرة مساء أمس الأول أن طائراتها الحربية ستواصل تنفيذ عمليات إسناد جوي للقوات العراقية التي تحاول تحرير مدينة الموصل من تنظيم "داعش"، مشيرة الى أن هذه المشاركة تندرج في إطار اتفاق أبرمته مع التحالف الدولي ضد التنظيم الجهادي.وقال وزير الدفاع التركي فكري ايشيك، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول الرسمية: "لقد أبرمنا اتفاقا مع قوات التحالف لكي تشارك قواتنا الجوية في عملية الموصل". وأضاف "من دون تركيا يستحيل أخذ قرارات تتعلق بمستقبل الموصل".قرى مهجورة تعج بأنفاق وقنابل
يستقر نفق عميق مفخخ بعبوة ناسفة تحت منازل عند مدخل قرية الشيخ عامر، وعلى مقربة منه يوجد لغم مضاد للأفراد مدفون جزئياً في طريق ترابي.وبدأ السكان أمس العودة إلى القرية الواقعة على الطريق إلى الموصل والتي استعادها ليل الثلاثاء- الأربعاء مقاتلو البيشمركة الأكراد في الأيام الأولى من أكبر هجوم يُشن ضد تنظيم "داعش". ولدى عودتهم وجدوا القرية مليئة بالمتفجرات والتحصينات المحكمة تحت الأرض، بعدما هجرها إسلاميون تقهقروا لمسافة أقرب إلى الموصل التي تبعد 30 كيلومتراً إلى الغرب.وبعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم تستعيد القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة والقوات الكردية بشكل مطرد أراضي نائية قبل الهجوم الكبير على المدينة نفسها، والمتوقع أن يكون أكبر معركة في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003.ودمرت أجزاء كثيرة من قرية الشيخ عامر، بما في ذلك منزل عباس أحمد حسين، وهو ساكن عمره 36 عاماً فر من القرية، عندما استولى عليها مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية في 2014.وعاد حسين، وهو شيعي، اليوم لتفقد الدمار مستقلا شاحنة صغيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنه لم يجد شيئا ينتشله وسط الأنقاض. وقال "أنفقت كل مالي لبناء هذا المنزل وداعش دمره. أخي وعمي وأبناء عمي يعيشون في الجوار ودمرت منازلهم جميعا أيضا. لقد دمروا جميع المنازل التي تعود إلى الشيعة".وعلى مقربة كتب على الجدران برذاذ أحمر "الشيعة كفار".وكانت القرية يسكنها خليط من السنة والشيعة قبل وصول "داعش"، لكن منازل الشيعة دمرها التنظيم المتشدد.باريس تستضيف اجتماعين بشأن الموصل
أعلنت الرئاسة الفرنسية أمس أن باريس ستستضيف اجتماعين دوليين لبحث الأوضاع في مدينة الموصل. وقال القصر الرئاسي "الإليزيه" إن اجتماع مجلس الدفاع الفرنسي، الذي ترأسه الرئيس فرانسوا هولاند، كشف عن عقد اجتماعين: الأول لوزراء الخارجية اليوم، لبحث استقرار المدينة، والثاني لوزراء الدفاع الثلاثاء المقبل.وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت إن اجتماع الوزراء، الذي سيعقد اليوم، سيجري بمشاركة 20 دولة "لتحضير المستقبل السياسي" لمدينة الموصل، بحضور إيران.