الأزهار تشعر بطنين كهربائي عند اقتراب النحل
قد يتبين أنّ النباتات من أكثر الكائنات الحية التي تتقن فن التواصل. حيث أظهرت الدراسات الحديثة أنها تستطيع بث مجموعة مفاجئة من المؤشرات فضلاً عن إرسال إشارات كهربائية أيضاً.
يكسب النحل (مثل جميع الحشرات) شحنة كهربائية إيجابية أثناء التحليق في الجو. أما الأزهار، فهي مترسخة في الأرض وتكون شحناتها سلبية. أطلق دانيال روبرت وزملاؤه من جامعة بريستول، بريطانيا، تحقيقاً لمعرفة ما إذا كان النحل الطنّان يستطيع استعمال تلك الإشارات.لاختبار هذه الفكرة، صنع الفريق أزهاراً اصطناعية وملأوا بعضها بسكر القصب وبعضها الآخر بمادة الكينين، وهي مادة لا يتغذى منها النحل. في المقام الأول، زار النحل تلك الأزهار عشوائياً. لكن حين نشأ حقل بقوة 30 فولت (حقل نموذجي لأزهار بطول 30 سنتم) حول الأزهار الاصطناعية التي تحتوي سكر القصب، لاحظ الفريق أن النحل يستطيع رصد الحقل من على بُعد بضعة سنتيمترات، فزارت مجموعات النحل الأزهار المشحونة في 81% من المرات. ثم عادت لتتحرك بشكل عشوائي عند قطع الكهرباء عن المكان.
يقول روبرت: «كانت تلك الإشارة الأولى التي بثّت فينا الحماس في المختبر». تشير النتائج إلى أن النحل قد يستعمل الحقل الكهربائي، مثل اللون والرائحة، كمؤشر على وجود الغذاء. في ظل غياب أي شحنة، يتحرك النحل بشكل عشوائي.في المرحلة اللاحقة، ركز فريقه على معرفة ما إذا كان النحل يتأثر بشكل الحقل الكهربائي للزهرة الذي يتحدد بحسب شكل الزهرة. من خلال تغيير شكل الحقل حول الأزهار الاصطناعية التي لديها الشحنة نفسها، أثبت الباحثون أن النحل يفضّل زيارة الأزهار التي تكون حقولها ضمن حلقات مركّزة: تمّت زيارة هذا النوع من الحقول في 70% من المرات مقارنةً بنسبة 30% فقط للأزهار التي يحيط بها حقل دائري صلب.تطور هائللا يعلم الباحثون المعلومات الموجودة ضمن الإشارات الكهربائية في الأزهار، ولكنهم يفترضون أن الأزهار تستطيع تطوير حقول لها أشكال مختلفة حين تسعى إلى جذب الملقحات. يوضح روبرت: «الأزهار هي تعبير صارخ عن التطور الحاصل. هي تستغل النحل».يعتبر روبرت أن الشحنة الكهربائية الموجودة في الزهرة تعزز على الأرجح قوة المؤشرات التي توفرها ألوانها وروائحها بالطريقة نفسها التي تستعمل فيها الإعلانات التلفزيونية خليطاً من المؤثرات البصرية والسمعية لتسويق رسالتها. أثبت فريق البحث مثلاً أن النحل استغرق وقتاً أقصر للتمييز بين ظلّين متشابهين جداً من اللون الأخضر عند بث إشارة كهربائية. يقول روبرت: «الكهرباء هي جزء من عالمه الحسي». حين تزور النحلة أي زهرة، هي تنقل جزءاً من شحنتها الإيجابية ما يغيّر حقل الزهرة بشكل تدريجي. مع تكرر الزيارات، قد تتغير الشحنة بنسبة كبيرة، ما قد ينذر مجموعات النحل الأخرى بتراجع منسوب الرحيق. يقول روبرت: «آخر ما تريده الزهرة هو الكذب على النحلة. الكهرباء هي طريقة لتغيير المؤشرات بسرعة كبيرة وكأنّ الأزهار تقول للنحل: «أبدو جميلة ورائحتي زكية لكنّ شحنتي الكهربائية ليست مناسبة. عودوا لاحقاً!».لكن يؤكد روبرت على وجود بعض الأزهار المخادعة التي لا تبث ولو ميلي فولت واحد حين يزورها النحل. لكن لدى الأزهار والنحل سيطرة محدودة على شحناتها. يوضح روبرت: «يحصل ذلك كله تلقائياً. يتعلق الأمر حصراً بخصائص الفيزياء الجوية». هو يتمنى أن يعرف ما إذا كانت الملقحات الأخرى (بما في ذلك الخفافيش) تستعمل بدورها الإشارات الكهربائية.حملة دعائية مخادعةيوافق روبرت راغوسو من جامعة كورنيل في إيثاكا، نيويورك، على أنّ تغيّر الحقل الكهربائي قد يشير إلى تراجع منسوب الرحيق: «تتغير ألوان وروائح الأزهار ببطء، لكن يمكن أن تتخلص الملقحات سريعاً من الرحيق أو غبار الطلع، ما يدفع الزهرة التي زارتها النحلة للتو إلى متابعة الترويج لشحنتها بشكل مخادع». يؤدي تغير الشحنة الكهربائية سريعاً إلى اختراق تلك المؤشرات القديمة. يضيف راغوسو: «كذلك، يمكن أن تستعمل مجموعات النحل التي تحضر لاحقاً المؤشرات الكيماوية التي تخلّفها أقدام النحل لتجنب زيارة زهرة مستنزَفة».يظن لارس شيتكا من جامعة الملكة ماري بلندن، أن هذا الاكتشاف مثير للاهتمام. هو يذكر أن الشحنة الكهربائية يمكن أن تدفع غبار الطلع إلى قطع مسافات قصيرة من الزهرة إلى النحلة، ما يسهّل تلقيح النحلة. إنه سبب آخر كي تفضّل النحلة الأزهار المشحونة.لكن يشير شيتكا إلى أننا لا نستطيع التأكيد بعد على أن قدرة النحل على رصد الشحنة الكهربائية تعكس وجود حاسة سادسة حقيقية. حين تحوم النحلة فوق الزهرة، ربما تشعر بكل بساطة بوجود شحنة ثابتة تجعل وبرها ينتفض كما يقشعرّ شعر ذراعنا عند الاقتراب من بالون مشحون.لكن إذا كانت النحلة تستطيع الشعور فعلاً بوجود الكهرباء، فهي ستنضم إلى فئة بعض أنواع السمك والبرمائيات. ستكون النحلة أول حيوان يستطيع رصد الحقول الكهربائية في الجو. يوضح شيتكا: «لم يتم رصد هذه الظاهرة من قبل إلا عند الحيوانات في البيئات الرطبة».