هل ستفلس الرواتب والأجور دولة الكويت؟!
يتكرر الحديث في الآونة الأخيرة عن المخاطر التي تواجه مستقبل دولة الكويت المالي والاقتصادي، ويواكب ذلك حديث متواتر عن أن باب المصروفات الخاص بالأجور والرواتب في الموازنة العامة هو أهم أسباب الخطر الذي تواجهه الكويت في مستقبلها، وهو ما قد يؤدي إلى إفلاسها في بداية العقد المقبل كما يروِّج البعض، وهو أمر بلا شك يؤرق الكويتيين ويضع بعضهم في حالة ترقب وقلق شديدين. وهنا لابد من فتح نقاش عام حول الميزانية العامة حتى لا نأخذ بالكلام المرسل والمتداول الذي ربما له غايات أخرى بينما الواقع مخالف لذلك، ولعلنا نكون في هذه المقالة سبباً لبدء بحث شامل حول ما يتداول من شكوك حول مستقبل البلد المالي، وبصفة خاصة، ما يتعلق منه بالرواتب والأجور.
بيانات ميزانية الكويت للعام المالي 2013-2014 تبين أن إجمالي باب الرواتب والأجور يبلغ 4 مليارات و944 مليون دينار تقريباً، تشمل كل موظفي الدولة المدنيين في وزارات الدولة والعسكريين بوزارة الداخلية والحرس الوطني، وهو ما يتجاوز مجموعهم 350 ألف مواطن ومقيم، بينما تبلغ الأجور والمميزات في وزارة الدفاع وحدها ملياراً و200 مليون دينار في اختلال رهيب لدولة بحجم الكويت وعدد قواتها المسلحة المحدود، في حين يبلغ حجم الرواتب في الجهات الملحقة 611 مليون دينار تتصدرها جامعة الكويت بقيمة 193 مليون دينار، أما بقية المرصود من ميزانية الأجور والرواتب البالغ إجماليها نحو 10 مليارات و415 مليون دينار فإنها تصرف على ميزانيات الجهات المستقلة ورواتب وشؤون السلطة القضائية ودعم مؤسسة التأمينات الاجتماعية. وبناءً على تفاصيل الميزانية يتضح أن الخلل والهدر الكبيرين في ما يخص الرواتب يقع لدى الجهات المستقلة، ورواتب السلطة القضائية ومميزاتها التي تعتبر الأكبر، بينما تعتبر هذه السلطة في معظم الدول الديمقراطية عنواناً للزهد والتحكم في المصروفات والبعد عن المبالغة في الرواتب والامتيازات من سيارات وخلافه، بينما نجد مظاهر البذخ المفرط في رواتب ومميزات هذه السلطة لدينا رغم أن تاريخ وسيرة القضاء الإسلامي مرتبطان دائماً بالقناعة والزهد، كما أن هناك مواضع مبالغة كبيرة في رواتب ومكافآت جهات مختلفة مثل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية التي تسبب أداء موظفيها في انهيارها وإفلاسها، ولكن تداخل السياسي مع الشأن الفني أدى إلى تلك الأخطاء الكبيرة وإقرار كوادر مالية مختلفة بما لا يخدم مردود الإنتاج والعدالة وحفظ أموال الدولة، إذ إنه من غير المقبول أن تحصل أغلبية الشعب الكويتي (في القطاع العام- الوزارات) على نحو 5 مليارات دينار كرواتب، بينما تحصل فئة محدودة في الجهات الملحقة والمستقلة والسلطة القضائية وبعض العسكريين على ما يزيد على 4 مليارات دينار سنوياً وهم لا يشكلون سوى نسبة محدودة من موظفي الدولة والمواطنين. بالتأكيد أن مواضع الخلل معروفة في الجهات التي تستنزف موارد الدولة على بند الرواتب والأجور ولا تستفيد منها أغلبية الشعب الكويتي، وهي حالة لا يمكن معالجتها إلا بنظام الضرائب على الشرائح المتصاعدة من الدخل السنوي، ولكن هناك من خرّبوا عقل الكويتيين بأن الضرائب شر مطلق يجب مكافحته، ويستخدمون العامة في معركتهم في محاربة إقرار الضريبة التي ستشملهم دون أن يظهروا في الصورة، لذلك فإن الخلل الذي نتج عن إقرار كوادر عشوائية ومميزات وبذخ لبعض أصحاب الوظائف لن تعالجه غير ضريبة الدخل التي لا تمس المتقاعدين وأصحاب الدخل المحدود ومن يقل دخله عن مبلغ معين سنوياً تحدده جهات علمية مستقلة، وعلى كل الجهات الرسمية والأهلية والأكاديمية أن تعمل بجدية كذلك للإجابة عن السؤال الشعبي المُلح: هل ستفلس الرواتب والأجور دولة الكويت؟ أم أن هناك بنوداً أخرى وممارسات من التنفيع والاختلاسات هي التي ستفلسها؟!