الأغلبية الصامتة: فيالك من وطن مستباح
قصيدة خالدة كتبها شاعر كبير رحل عن هذه الدنيا، وترك لنا سيرة عطرة ومئات القصائد وذكريات لا تنسى في ديوانه، إنه المغفور له بإذن الله الأستاذ والمؤرخ والشاعر عبدالله زكريا الأنصاري (1922م– 2006م)، واليوم تذكرته وهو الذي لا ينسى، وأنا أتابع أخبار نفوق أسماك "الميد" وتذكرت قصيدته "ومات السمك".الأنصاري ذو المزاج الهادئ شعر في أحد أيام عام 2001م بحنق شديد؛ لما أصاب بحر الكويت من مرض شديد قضى على جميع الأسماك، وطردها من أعماقه لتموت على شواطئه في لوحة حزينة مؤلمة كدرت الأنصاري وكل محبي البحر والصيد وتناول الأسماك، ليكتب قصيدته السمكية "ومات السمك" ويشحنها بكل علل الكويت في الإدارة والفساد، حتى إنه ليخيل لنا أنه كتب بياناً سياسياً ساخناً.
يقول الأنصاري مفتتحا قصيدته:زمان تعدى وهذا زمنوكلّ بأحداثه مرتهنوعم الفساد وضج العبادوزاد الدمار وفاح العفنونادى المنادي أين الصلاحفإن التفسّخ سمّ البدنفلا الميد ناجٍ ولا من علاجفكيف التخلص من ذي المحنفمات المزيزي مات البياحومات الزبيدي غالي الثمنومات السبيطي والمزلقانوحتى الزمارير تحت السفنوبعد أن نعى في أبيات لاحقة أسماكاً أخرى كالهامور والنويبي والصبور، أخذت القصيدة منحى جديداً تخلى فيه الأنصاري عن الظرف الجاذب إلى القصف المباشر لحالة تقاذف المسؤولية، وتضارب تقارير أسباب أزمة نفوق الأسماك بين الجهات المعنية.فأين الرجال وأهل القراروأين التقارير راحت لمن؟فكل تنحى وكل توارىوكلّ تملص كل كمن وكل تخفّى وكل تبرأكلّ تهاون ثم اطمأن؟!وبعض تنكر ثم تغابىأهذا جميل أهذا حسن؟وبعض يدور وبعض يجوروكل ينافق في ذا الزمنوبعض يتمتم في قولهوبعض تلكأ حتى حرنألا إنه سوء أفعالهموقبحٌ بأسرارهم والعلنفما فيهم غير ليّ الكلاموما فيهم غير نشر الفتنويختم الشاعر عبدالله زكريا الأنصاري قصيدته الخالدة "ومات السمك" بأبيات لم تكشف لي سوى عن أن شاعرنا المهموم بقضايا وطنه قد ادخرها ليوم اختاره هو، وعندما أتت المناسبة ختم بهذه الأبيات:فيالك من وطن مستباحومن سمك مات بعد الوهنفأين زمان طوته السنونوراحت بآثاره والدمنتولى بأصحابه الطيبينوصرنا بحال تثير الشجنلقد رحل شاعرنا الأنصاري عن دنيانا، وترك لنا هذه القصيدة المعبرة، وترك لي معها هذا السؤال: ما الذي كان سيكتبه لو كان معنا عن أزمة "الميد" الحالية؟ وما الأبيات التي ادخرها ليقولها في الوقت المناسب؟