الموزّع تصنعه المعاهد والتلحين هبة الله

نشر في 05-03-2010 | 00:01
آخر تحديث 05-03-2010 | 00:01
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ بكتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار الشروق يحمل عنوان: "محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً". يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب. المحور الأول يتضمن رحلته الخاصة مع الفن  وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية، المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. أما المحور الثالث فهو مخصص لرحلة عبدالوهاب مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآرائه في هذا الجانب. يتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.

"الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.

يطرح عبدالوهاب في الحلقة الرابعة تساؤلاً بشأن إتقان الفنانين العرب «الهارموني» أو علم التوزيع، مشيراً إلى حشو الألحان العربية بجمل لحنية متعددة، مفصلاً في الوقت ذاته الحديث عن الآلات الموسيقية العربية، ومؤكداً أن الألحان التي تحوي أسئلة وأجوبة أكثر قدرة على إمتاع العقل والتحليق بخياله عالياً.

يوجد بيننا من يتساءل: لماذا لا يفعل الملحن العربي ما يفعله الملحنون في الغرب... ففي الغرب يوجد ملحنون لا يوزعون ألحانهم، بل يوزعها موزع آخر، فلماذا ننتقد ذلك إذا حدث في مصر؟

واقول... في الغرب يعيش الملحّن والموزع في بيئة واحدة ويسمعان الحانا واحدة، وحياتهما الاجتماعية واحدة، واحساسهما وشعورهما وتربيتهما واحدة، لذلك عندما يوزع احد الغربيين لحنا لآخر، فالشعور واحد والارتباط واحد.

أما نحن في مصر فالملحن العربي ذو الاحساس العربي منفصل عن اخيه الذي تعلم التوزيع الغربي... فنحن نعطي الحاننا لموزعين اجانب حتى ولو كانوا مصريين لم يؤمنوا بالبيئة العربية ولا بالمشاعر العربية ولا بالتراث العربي، وعندما نسمع توزيعهم لألحاننا نشعر بانفصالها عن اللحن الأصلي، لأن الموزع يريد اثبات علمه، فيحشوا الجملة اللحنية، «الورّات» لإبراز عضلاته العلمية بدون ايمان منه بما وراء هذا اللحن من عمق بيئة واحساس متفرد.

والموزع المقيم في مصر لم يندمج في بيئته المصرية وكل ما يسمعه هو الموسيقى الغربية، انه انسان ذهب الى اوروبا باختياره وربما عن طريق وساطة ولم يستمع الا الى موسيقى غربية، ولما حضر الى مصر ظل غربيا، اما الموزع والملحن الغربيان فيستمعان منذ طفولتهما الى موسيقى واحدة، هي موسيقاهما.

ولهذا لا يزال التوزيع الموسيقي في مصر عاجزا عن مهمته المثلى، فهنا نعتبر ان التوزيع تحلية الملحن الأصلي وليس جزءا منه.

وانا اعتبر ان التوزيع السليم جزء من اللحن، بحيث اذا حذف هذا التوزيع اشعر بان هناك نقصا ما، وان اللحن لم يتم بصورة كاملة.

وفي مصر يعتبرون اللحن مثل الشقة والتوزيع عبارة عن كرسي هنا وكرسي هناك، وفاز هنا وفاز هناك، وستارة دانتيل على الشباك.

وربما صارت الشقة أجمل لو أننا لم نحشر هذه الحليات في هذه الأماكن، ولذلك أريد أن يكون التوزيع عضوا من أعضاء جسم اللحن كجسم الإنسان.

التوزيع السليم

مثلا إذا فقد الإنسان رجله أو يده أو أنفه أو أذنه أو عينه يحس الناس أن الإنسان الذي أمامهم نقص فيه شيء ما، وهذا هو التوزيع السليم، يجب أن يكون استمرارا لجسم اللحن وتكوينه بحيث لو توقف التوزيع أحس بأن اللحن ليس لحنا كاملا، وهذا يرجع أيضا إلى تفكير الملحن عندما يلحن، فإذا فكر في اللحن ككل ولم يفصل الجملة الأساسية عن التوزيع. استمعنا إلى لحن لا ينفصل عن توزيعه، لحن له نسيج متماسك سليم.

والسبب في التجاء الملحن العربي إلى حشو لحنه بجمل لحنية متعددة وكثيرة هو عدم إدخال الهارموني أو علم التوزيع كما يقولون على الجملة اللحنية.

فمثلا لو أن هناك جملة أو جملتين أو ثلاثا عزفت كما تعزفها الآن الفرق العربية أي كل آلة تؤدي الجملة كما تؤديها الآلة الأخرى تماما، الكمان مثل القانون مثل الناي مثل الشيللو مثل العود كلها متشابهة، لو سمعنا هذه الجمل الثلاث مثلا وأعادوها ثلاث أو أربع أو خمس مرات لما استغرق سماعها، أكثر من دقيقتين أو ثلاثا على الأكثر، ثم بعد ذلك سنمل قطعا سماعها وهنا يلجأ الملحن إلى تغيير الجملة جملة أخرى... وأخرى ليستغرق الوقت المطلوب أو الذي تعود عليه المستمع.

وأما إذا دخل على هذه الجمل الثلاث علم الهارموني ففي كل مرة نسمع فيها هذه الجمل سيؤلف الموزع لها مصاحبة هارمونية في كل مرة نسمعها بحيث يُدخل في كل مرة حياة جديدة ودما جديدا وطعما جديدا بحيث إن الجمل الثلاث التي استغرق سماعها ثلاث دقائق عند عزفها بالطريقة العربية الموجودة الآن ممكن أن نسمعها بدون ملل لمدة ربع الساعة.

أسلوب وذوق

والتوزيع اسلوب وذوق في أوروبا فغالبا ما يقوم مؤلف الجملة أو الجمل التلحينية بتوزيع أعماله الموسيقية لأنه أقدر الناس على فهم ما يليق لعمله من علم الهارموني، ولذلك نرى أن أسلوب كل منهم واضح ونعرفه فورا، كالرحبانية مثلا لأنهم هم الذين يوزعون لألحانهم، لذلك نجد لهم أسلوبا نعرفه على الفور كأسلوب الأديب أو الكاتب المتميز.

أما في مصر فلا يوجد اسلوب واضح للتوزيع الموسيقي حيث يتغير الموزع مع كل لحن بسبب جهل المؤلف الأصلي بقواعد اللحن الهارموني، واضطرارنا لاختيار موزع يقوم بذلك في أغلب الحالات.

وسوف تظل الميلودية أو الجملة اللحنية التي يقوم الموزع بتوزيع لها هي الأصل، والدليل أنه يمكن لجملة موسيقية واحدة أن يوزع لها أكثر من توزيع من عشرات الموزعين وتظل الجملة اي الميلودية هي هي لا تتغير ومعنى هذا انها الاصل، ودليل آخر هو اننا اذا اضفنا الى جملة موسيقية توزيعا واردنا ان نسمع التوزيع بمفرده من غير الجملة الميلودية فلن يفهم السامع منها اي شيء فهي بالنسبة له سمك لبن تمر هندي.

وما دام اللحن الميلودي لا يمكن ان تمسه او تغير فيه فسيظل هو الاصل اما التوزيع فيمكن ان تغيره وتجمله ويمكن ايضا ان تفسده.

ويستطيع التوزيع ان يبرز محاسن اللحن تماما كصورة جميلة تختار لها بروازا او مكانا يبرز جمالها اي اطارا يزيدها حسنا ولكن اذا لم نجد البرواز ولا المكان فهل تختفي الصورة من الوجود، ابدا فالصورة هي الخلق الاصلي للعمل الفني والتوزيع علم يدرس بالمدارس وكل من تعلمه يمكن ان يضع توزيعا لجملة او جمل موسيقية كل يختار من العلم حسب ذوقه.

ولكن لا يمكن لكل من تعلم التوزيع ان يؤلف جملة ميلودية موسيقية او غنائية لان تأليف الجملة موهبة من عند الله يهبها لمن يشاء، اما التوزيع فعلم يمكن ان نتعلمه في اي مدرسة وفي متناول اي انسان، فاذا لم يهب الله لمن يتعلمون التوزيع هبة تأليف الجملة الموسيقية فسيظلون يتسكعون على ابواب الموهوبين لان ابداع الجملة الموسيقية موهبة، اما اضافة الهارموني للجملة فهو علم وتحصيل.

ومع تمسكي بأن على الموهوب ان يتعلم علم الهارموني حتى لا يضطر الى اعطاء لحنه لمن درس علم الهارموني، وقد يضع هارموني من غير فهم لمضمون الجملة اللحنية او انه يذهب بعيدا عن تصور وضع اللحن الاصلي أقول بالرغم من هذا فإنه توجد حقيقة لا حقيقة غيرها وهي انه يمكن لاي انسان ان يتعلم الهارموني، ولكن لا يمكن لاي انسان ان يبدع جملة موسيقية الا اذا اعطاه الله موهبة ذلك، والدليل على ذلك انه يوجد مئات المتعلمين والدارسين العلم الهارموني. ولكن ملحني الجملة الموسيقية او الغنائية يعدون على اصابع اليد الواحدة.

ولا يوجد ولا يسمع هارموني بدون ميلودي ولكن يوجد ويسمع ميلودي بدون هارموني. والميلودي او ما نسميه الجمل اللحنية لا تدرس في مدارس، لكنها هبة من الله تعالى، ولكن الهارموني يدرس في المدارس والمعاهد.

ولذلك فان التوزيع الموسيقي يجب ان يكون مجندا لخدمة ميلودي وليست الميلودية مجندة لخدمة التوزيع او علم الموسيقى وهذا يرجع الى شخصية الموزع ومبلغ الدفعة الشعورية التي يشعر بها الموزع نحو الميلودية او اللحن الاصلي، هناك اغنيات نجحت بتوزيع وبغير توزيع واغنيات اتعبها التوزيع وارهقها وغيّر من طابعها كل هذا يدل على مبلغ الشخصية الموزعة ومدى ثقافتها.

أصوات مختلفة

والهارموني اصوات مختلفة في مواقعها وبأزمان مختلفة، لكنها علم  التآلف وتعزف في وقت واحد وهذه التركيبات رغم انها مختلفة لكنها نغمات جميلة. وكذلك آلات النقر عند الاوروبيين فإذا كان هناك مثلا اربع او خمس او ست آلات نقر، كل آلة تنقر في زمن يختلف عن الاخرى كل آلة لها مكانها المختار. ولا يشذ عنه بحكم التركيبة الموضوعة بحيث تعزف الآلات النقرية مع بعضها وتعطي معها شيئا بالرغم من هذا الاختلاف.

ونحن هنا لا نستعمل آلات النقر بصورة محددة فكل يستخدمها على "كيفه".

وبعد هذا كله يبقى الفارق وهو ان الملحن من صنع الله ، وان الموزع من صنع المعاهد.

الملحن هو الذي يخلق شيئا من العدم. والموزع هو الذي يستلهم من هذا الشيء ما يحتاج اليه او ما يضيفه لتجميله.

والملحن هو صانع الصورة والموزع هو صانع البرواز فلا يوجد صانع برواز قبل ان يوجد رسام الصورة، والموزع يجب ان يكون له ذوق ولكنه يختار مما تعلمه مما يزيد اللحن جمالا كبرواز الصورة تماما، اذا لم يكن لائقا بها يشوه جمالها، وتكون الصورة بدونه افضل.

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الارض قبل الانسان، فلولا الارض ما وجد الانسان ولا جاهد في الانتفاع بها، فاللحن هو الخلق الاول فهل يمكن للموزع ان يضع توزيعا بدون لحن؟ هذا مستحيل.

ولهذا انصح الفنانين العرب الذين يدرسون علم الهارموني في الخارج ان يغيّروا مفهوم ما تعلموه عندما يضعون توزيعا لموسيقانا العربية كمثل من يصنع بدلة لشخص معين ثم يلبسها شخص اخر قبل ان يجعلها صالحة لجسمه، وهذا ما يحدث في معظم الاحيان في توزيع الالحان العربية.

والميلودي او الجملة الاساسية في اي عمل موسيقي او غنائي هي كالوجه في جسم الانسان والهارموني للجملة الموسيقية هي كأعضاء الجسم فلا يمكن لإنسان ان يصادق اعضاء جسم ولكنه يصادق الوجه. فملامحه دائما في خاطره وهو شاشة العاطفة التي يتعرف الانسان منها على ما في صدر صاحبه.

فالإنسان لا يستغني باعضاء الجسم عن  الوجه، كذلك الموسيقي لا يمكن لإنسان ان يستمع الى هارموني لجملة ويستغني بها عن الجملة التي وضع لها اللحن الهارموني، فالجملة الموسيقية غناء او موسيقى هي التعبير الواضح لاحساس من وضعها هي وتصادقه في العمل الموسيقي.

وفي بعض الحالات يمكن ان اعتبر التوزيع الموسيقي للحن الاصلي هو عملية خلق، فالذين تعلموا ودرسوا علم الهارموني على مستوى واحد من العلم والمعرفة. والكل يعرف تفاصيله مثل الآخر، ومع ذلك، اعطي جملة موسيقية لاحد الموزعين واعطي نفس الجملة لآخرين فأجد ان لكل منهم اسلوبا مميزا وكل منهم اختار من الهارموني ما لم يختره الآخر فكل منهم خلق من هذا العلم "التوليفة" التي تناسب هذه الجملة.

انه يخلق لهذه الجملة ما يناسبها باستعداده لخلق المناسب من هذا العلم الكبير بمعنى ان اختياره فيه خلق وذوق كالباحث الكيميائي الذي يخلق من الاعشاب الموجودة توليفة تعالج مرضا معينا. الاعشاب موجودة، ولكنه خلق من مزج بعضها ببعض دواء جديدا انه شيء من الخلق والابداع هكذا الهارموني "ذوق" و"ابداع".

مخاطبة العقل

ان الموسيقى المخاطبة للعقل تمنع الانسان لان الانسان عاطفة وعقل فإذا جمع الانسان بين الاثنين كان الكمال.

في تقديري انه اذا وقفت القيود والاصول بيني وبين فني وحالت دون ان اصل الى الاجمل والاجدد فأنا لا اعيرها اهتماما... ولا آخذ بها على الاطلاق.

وهناك فنان يتمتع بأجهزة اصلاح داخلية فهو ناقد ومعلم ويزداد خبرة على مر المزمن وفي داخله جهاز لتطوره كل هذا يجب فيه في رأسه في صدره، وفنانا آخر تجيء اجهزة الاصلاح هذه من خارجه فلابد لناقد ان ينقده لينتبه، ولابد له من استاذ ليتعلم منه ولابد له من شيء يوقظه ليتطور.

والفرق بين الاثنين كالفرق بين البحر و"البركة"، فالبحر هو الذي يصنع امواجه اما البركة فلابد لها من احد يقذفها دائما بالحجارة لتتحرك امواج لم لا تلبث ان تتلاشى.

والحقيقة انني لا اهتم في حياتي بأي تقييم أو إعجاب جماهيري لأي فنان بل كنت اهتم بالفنان الذي يشدني انا شخصيا، كنت اهتم به وأتابعه حتى اذا لم يحظ بأي اعجاب او تقدير من الجماهير.

ان الجمهور الآن يحن الى القديم من الغناء الموسيقي ويخيل لي ان من بين اسباب ذلك، حالة السخط الطبيعي الذي يتولد عند كل انسان على الواقع الموجود... الطبيعة البشرية تفرض السخط على الحياة الحاضرة مهما كانت. وهذا السخط يجر الانسان الى ان يتحسر على القديم فيحن اليه، لا يمكنه ان يعيش في المستقبل لأنه غير موجود وليست له معالم واضحة. واما القديم فله معالمه.

والعرب يهاجرون الان الى مصر للاستمتاع بها، ومشاهدة الفنانين وبالأخص سماع المطربين والمطربات المصريين، وكان المتعهد يقدم في بعض الاحيان مطربا عربيا ينتمي الى العرب الحاضرين تحية لهم، وهذه الفقرة الغنائية كانت تعتبر ثانوية ووجودها او غير وجودها لا قيمة له. والان انقلب الحال فأصبح المهاجرون العرب يقدم لهم المطربون غير المصريين كأساس للحفلة كطلال مداح ومحمد عبده. واصبحت الفقرات الغنائية من المصريين فقرات ثانوية وربما لا تكون.

والمتعهد لا يهتم بالحفلات ناجحة او غير ناجحة وايضا لا يهتم بمن يقدمه واخشى مع التعود وعدم وجود الدليل ان يتعود المصريون على هذا النوع من الغناء ونصبح مستودرين بعد ان كنا من الازل مصدرين.

وكثيرا ما أسال نفسي ما قيمة هذه اللحظة المؤثرة الممتعة للناس واقصد بها لحظة اقامة حفلة في التليفزيون او الراديو على الهواء. ما هو التأثير النفسي على الجمهور؟ انه يرى او يسمع حفلة لحظة ادائها لو اننا سجلنا هذه الحفلة اي حفلة كما هي او صورناها بالتليفزيون بكاملها. ثم اذعناها على الناس بعد ذلك والناس تعلم انها تسجيل فلن يهتم الجمهور، فلن يتمتع ولن يتأثر لأنها ليست اللحظة التي يريدها، لحظة الحضور، لحظة الاحساس والتفاعل بين الفنان والجمهور.

والفنان اكثر الناس تاثرا بالبيئة ويظهر هذا التأثر في فنه.

واذا غير الفنان بيئته وانتقل الى بيئة اخرى، ومكث فيها طويلا فإنه يتأثر بالبيئة الجديدة ويظهر ذلك في فنه يظهر فيه شيء جديد، ولو سألته عن هذا الجديد فإنه يعجز عن تفسيره.

سؤال وجواب

احب الالحان التي بها الاسئلة واجوبتها، اي ان توجد جملة تسأل ثم تجيبها جملة اخرى بجواب مقنع، مثل هذا الاسلوب من الالحان يمتع العقل ايضا فالفرق بين الانسان والحيوان هو العقل والعقل دائب السؤال ولا يرتاح الا بالاجابة المقنعة.

وهناك تساؤلات مادية وتساؤلات فوق المادية والاسئلة المادية يشترك فيها الانسان والحيوان فتساؤل الجوع جوابه الشبع.

وتساؤل الارهاق جوابه النوم.

وتساؤل الجنس جوابه الممارسة... كل هذا يشترك فيه الانسان مع الحيوان.

اما التساؤلات العقلية كالمعرفة في كل نواحيها فهي من خصائص الانسان وحده ولا يهدأ عن التساؤل ولا يرتاح الا بالاجابة المقنعة ايضا. في الموسيقى النوع الرفيع منها هو النوع الذي يحمل الجملة المتسائلة والجملة المجيبة المقنعة والمريحة.

والموسيقى الرفيعة هي التي تخاطب القلب والعقل لأنها اذا خاطبت القلب فقط سرعان ما ينساها مستمعها لان القلب اي العاطفة لها نزوات والعاطفة مذبذبة دائما في تغير والموسيقى التي تخاطب العاطفة اغلبها يخاطب الغرائز السطحية، وايضا تزول وتتغير كما تتغير هذه الغرائز.

اما العقل فهو الاستمرارية... التأمل... التفكير.

ولهذا تظل الموسيقى في العقل لان له ارشيفا يعبئ فيه ما يحبه ويتذكره كلما اراد، اما العاطفة فهي متغيرة يطير منها ما تحس به بمجرد ان تعيش لحظتها.

back to top