قوانين تنويع مصادر الدخل... «حبر على ورق»

نشر في 09-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 09-02-2016 | 00:01
الحكومة عاجزة عن خلق بدائل للنفط... وتحقيق الخيارات يحتاج إلى سنوات طويلة!
لا يخفى على أحد أن الكويت تعاني أزمة قد تكون كارثية إذا تفاقمت، ولا يوجد بديل لها، وهي أزمة انخفاض النفط الذي أدى إلى حدوث عجز في الميزانية، فمن المعروف أن النفط هو المصدر الوحيد للدولة، والأساسي في خلق الميزانية العامة، وعدم وجود مصدر آخر يعني أن الكويت تتجه إلى طريق مليء بالمخاطر، ما قد يؤثر على الحياة المعيشية بها، ويهدد حياة الرفاهية التي يعيشها المواطن لاسيما مع تنامي العجز.

ولاشك في أن الكويت شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية عجزا في ميزانيتها، صعد بشكل تدريجي، ما اضطرها إلى اللجوء لاحتياطي الأجيال القادمة، الأمر الذي أعطى إشارة حمراء لكي تبحث الدولة وحكومتها عن حلول أخرى ومصادر بديلة تزيل بها عبء انخفاض النفط وانعكاساته المترتبة.

ما الحل؟ وما الخطة التي ستسير عليها الحكومة؟ وهل هي قادرة على إيجاد سبل للخروج من هذه الأزمة؟ وهل أعدت نفسها لخلق مصادر إلى جانب النفط، أو تكون بديلة عنه، تستطيع من خلالها حمل الكويت وانتشالها من الواقع الذي تعيشه حاليا؟

هذه الأسئلة التي تبحث عن إجابة دعت «الجريدة» إلى تسليط الضوء على الأوضاع الاقتصادية والمالية، حيث التقت العديد من أصحاب الاختصاص للحديث عن قدرة الحكومة على إيجاد مصادر بديلة عن النفط.

كشف الأمين العام للمجلس الاعلى للتخطيط د. خالد المهدي ان البدء في تنويع مصادر الدخل ضرورة حتمية، سواء هبط النفط أو ارتفع، وهو الادراك الحقيقي لأي دولة، موضحا ان 93 في المئة من ايرادات الكويت تعتمد على النفط، والخطوة التالية ستكون عن طريق تقليل الاعتماد عليه.

واضاف المهدي: "لا يوجد ما يسمى بأزمة انخفاض أسعار النفط، بل حدث يجب استثماره"، لافتا الى ان المجلس الاعلى للتخطيط انتهى من تقديم دراسات لوضع خطة لتنويع مصادر الدخل بالكويت لمجلس الوزراء، ويتم بحثها بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية البرلمانية.

وزاد ان الدراسات تحتوي على فكر موسع للامور المختصة بقطاعات الدولة المتوافرة، وهي الاتصالات والبنوك والقطاع المالي، فضلا عن القطاع النفطي والتعليم والصحة، ولم يأت المجلس الأعلى بشيء جديد او غريب.

وتابع ان الدولة تملك مشاريع في هذه القطاعات، لكن هل تستطيع الحكومة تشغيلها بحيث تتحول الى مصدر ربح، مشددا على أن مشاركة القطاع الخاص في تنويع مصادر الدخل ضرورة لابد منها، متسائلا عن التوقيت الذي ستبدأ الحكومة به في تنفيذ خطة التنويع، حتى يستشعر المواطن، رغم انها ليست سهلة وتحتاج إلى وقت.

تنويع مصادر الدخل

بدوره، لفت عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الامة احمد لاري الى ان هناك دراسة مطولة فيما يخص تنويع مصادر الدخل بالكويت، طلبها وزير المالية، وسيتم تقديمها إلى المجلس لمناقشتها. وأضاف لاري ان الجميع في المجلس، سواء النواب أو الوزراء، مهتمون جدا بتنويع المصادر، خصوصا بعد الازمة التي يعانيها البلد حاليا، بسبب هبوط اسعار النفط، "لكن أي اتجاه ستسلك الكويت في تنويع مصادر الدخل، هذه عملية معقدة وتحتاج إلى تضافر الجهود".

وأضاف ان الوضع مختلف اليوم تماما عما كان عليه في السنوات الماضية، عندما كانت الكويت تملك فائضا يغطيها لسنوات عديدة، مضيفا: "نحن أمام كارثة حقيقية، وعلى الحكومة أن تكون جادة ولا تعقد آمالها على إيرادات النفط فقط".

وأوضح لاري أن الوضع لا يطاق، ولم يعد بالساهل، وعلى الجميع إعادة حساباته، معلقا "لا يجوز أكل اللحم الحي، فالحكومة معتمدة على احتياطي النفط، وعليها امتصاص الأزمة التي تمر بها الدولة".

وأضاف: لم يكن أحد يتوقع نزول النفط الى ما دون 35 دولارا، لذلك الحكومة كانت تبني نظرتها على تلك الأسعار، والآن نشاهد أن النفط كسر حاجز 20 دولارا، ومستمر في النزول، متابعا: انخفاض النفط ستنعكس آثاره على جميع مشاريع التنمية التي كانت معدة مسبقا، وهناك مشاريع ستلغى بسبب عدم وجود أي عائد تنموي منها، مؤكدا "لا أؤيد الغاء الدعومات بشكل مفاجئ، وإنما مع تخفيضها تدريجيا على أسس معدة على المدى القريب".

تحرير الأراضي

من جانبه، ذكر الوزير والنائب الأسبق، عضو المجلس الأعلى للتنخطيط الحالي، أحمد باقر، أن الحكومات السابقة قدمت اقتراحات وقوانين بما يخص تنويع مصادر الدخل في الكويت، والتي تأتي بإيرادات للدولة، ولكن لم ينفذ منها إلا القليل قائلا إن على المجلس أن يحرر كثيرا من القوانين التي مازالت حبيسة الأدراج ووضع تشريعات تؤتي بثمار للبلد في ظل الوضع الحالي، مشيرا الى أن بعض القوانين التي طبقت في السابق يتم الصرف عليها أكثر من الإيرادات المكتسبة منها. وقال باقر: قدمت اقتراحات عديدة في هذا النطاق، منها قانون التأمين لصحي للوافدين وقانون الزكاة، فضلا عن قوانين مساهمات الشركات في ميزانية الدولة، مشيرا الى أن الكويت إذا أرادت أن تتنوع في مصادر الدخل، فعلى الحكومة أولا أن تحرر أراضي الدولة التي تسيطر على ما يقارب 93 في المئة منها، مقارنة بما يملكه القطاع الخاص.

وأوضح أن القطاع الخاص في الكويت لديه القدرة على النهوض بالبلد بمشاريعه الكبرى التي بدورها تبث إيرادات للدولة، ولكن لا يملك الأراضي الكافية، وأضاف أن على الحكومة إعادة النظر في الإيجارات، حيث إن مبالغها ضئيلة جدا وبعيدة عن قيمتها السوقية الحقيقية.

دعم «الخاص»

وتابع قائلا: "إذا أرادت الحكومة تحقيق إيرادات ضخمة للدولة، فعليها أن تدعم مساهمة القطاع الخاص والشركات الكبرى في جزء من أرباح الدولة، أسوة بالدول المتقدمة"، مستكملا أن المساهمة لا تقتصر على الشركات الكبرى، إنما على الجميع المشاركة في تحقيق أرباح للدولة من جميع القطاعات، فضلا عن مساهمة الوافدين، وفي نهاية المطاف تمر بمساهمة المواطن البسيط. واعتبر باقر أن الخدمات المقدمة للوافدين تكلف الدولة الكثير، ولا مانع من مساهمتهم في جزء من الإيرادات، وقال "لم نلمس من الحكومة غير التصريحات والرسائل المتناقضة، ونحن معها في قارب واحد لبناء مصلحة البلد"، متابعا "ما نريده من الحكومة هو برنامج متكامل يشمل التوعية الإعلامية وإعلان جهود الحكومة وقدرتها على محاربة الفساد، إضافة الى إحصاءات موضحة بالأرقام في ما يخص الهدر الذي تم على الميزانية، وعمليات التحصيل بشكل تفصيلي وموثق".

ووجه كلامه لوزير المالية قائلا: "على وزارة المالية ذكر كل تفاصيل الانخفاض في ميزانية الدولة، خاصة على المواطنين، وما هي نسبة تحصيل الأموال من القطاع الخاص، متسائلا: "هل بالفعل الحكومة تؤجر أراضي لأشخاص معينين بمبلغ زهيد، وتعود لتؤجرها من الشخص نفسه بمبالغ طائلة"؟

الخصخصة

وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد عضو غرفة التجارة، أسامة النصف، أن الكويت ليست أول بلد يلجأ للتنويع في مصادر الدخل، وخصوصا في الوضع الراهن وما يلحظه العالم من هبوط في أسعار النفط، موضحا أن ما ينقص البلد هي الرؤية التي تشجع وتدعم القطاع الخاص لا محاربته والعمل على تهميشه، مشيرا الى "أننا بحاجة الى خصخصة الإنتاج، وكلما توسع القطاع الخاصة توسعت إمكانية وجود مصادر أخرى للدخل".

وبسؤاله عن أي جانب سيلجأ البلد للتنويع في مصادر الدخل، ذكر النصف أن الكويت ليست دولة سياحية وتميل للجانب الصناعي أكثر، حيث تملك جميع المقومات التي تجعلها دولة رائدة في الصناعة من خبرات استثمارية وطاقات شبابية وطنية وقدرة هائلة على الانتاجية، معلقا: "نجد هناك من ينادي بمحاربة خصخصة الطيران الوطني، رغم أن جميع الدول من حولنا كانت تجاربها ناجحة وتجني أرباحا من ذلك"، متابعا: "ما يجري هو محاربة واضحة على القطاع الخاص في المشاريع التنموية، ولم يعط الفرصة الكاملة الى الآن"، ضاربا مثالا بسنغافورة على أنه بلد لا ينتج البترول، ولكن عندما اتجه للقطاع الخاص أصبح من أغنى الدول دخلا للفرد، مختتما: "عندما ننادي بإعطاء القطاع الخاص الفرصة يجب على الحكومة ألا تفتح الباب على مصراعيه، ولكن عليها أن تخصخص وتراقب".

الصناعة والاكتفاء الذاتي

على صعيد متصل، أكد رئيس مجلس إدارة شركة سدير للتجارة العامة والمقاولات عضو غرفة التجارة طارق المطوع، ان الحكومة تملك القدرة الكاملة على تنويع مصادر الدخل لكنها متكاسلة، موضحا ان الكويت دولة مشجعة للصناعة منذ ثمانينيات القرن الماضي ولكن الحاصل الآن هو التوجه إلى الاكتفاء الذاتي.

 وأكد المطوع أن القطاع الخاص هو المنقذ الوحيد للأزمة التي يعانيها البلد من عجز في الميزانية، مشددا على أن تشجيع القطاع الخاص والاشراف عليه يحدان كثيرا من الفساد المدمر للدولة.

 ولفت إلى أن الحكومة مازالت تصرف من الاحتياطي الضخم الذي تملكه الدولة، الامر الذي انعكس على الوضع الاجتماعي وجعله كسولا مع قلة انتاجية والاعتماد الكلي على دعومات الدولة، مشيرا إلى أن "الصناعة أهم مقوم يمكن أن تعتمد عليه الكويت، لامتلاكها الطاقة والارضية الكاملة وهي قادرة على أن تصنع أي شيء".

رفاهية واقتصاد معرفي

أكد المهدي أن استدامة الرخاء والرفاهية والصورة المعيشية الحالية في الكويت تجبر الجميع على التحرك نحو تنويع مصادر الدخل، مضيفا «لا أعتقد ان الحكومة قصرت مع المواطن أو ستقصر ومازالت تبحث عما يحقق مصلحة البلد». وأضاف أن المؤتمر الوطني حول وظائف الدولة المعاصرة من منظور الاقتصاد المعرفي الذي نظمه المجلس الأعلى للتخطيط ركز على الامور الفنية ذات العلاقة المباشرة بمفاهيم الاقتصاد المعرفي وتطبيقاته في القطاع النفطي، إضافة إلى تجارب كل من المؤسسات النفطية، وكيفية خلق اقتصاد معرفي بين العاملين في المؤسسة لتبادل الخبرات والممارسات المهنية بين الشركات التابعة للمؤسسة.

الثامر: على الحكومة اختيار مصدر ثابت للدخل

أكد المحلل المالي محمد الثامر أن الحكومة لها السيادة والقدرة على اتخاذ أي قرار، خاصة فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، لامتلاكها جميع الادوات من اعادة تشكيل وتركيب الاقتصاد.

 وأوضح الثامر أن «التحدث عن أي مصدر دخل آخر يمكن أن تلجأ إليه الكويت من دون دراسة موثقة وكاملة تحتوي على تخطيطات مكثفة هي ضربة في الرمل»، لافتا إلى أن تصنيع البتروكيماويات وتسويقها العالي هو خير مثال تتميز به الكويت، ولكن هناك تحديات تتمثل بالقوة التنافسية لدى الخليج وكيفية اختيار المنتجات بطريقة مركزة.

 وأشار إلى أنه ينبغي على الحكومة اختيار مصدر للدخل ثابت وغير متقلب ووضع نهج طويل الامد له، إضافة إلى اعادة تركيب الاقتصاد مع مشاركة المنتج الوطني الذي يعد اللبنة الأساسية لتطور أي بلد.

وبدوره، ذكر مستشار شركة أرزاق كابيتال صلاح السلطان، ان الكويت لكي تستطيع أن تنوع في مصادر الدخل لابد من وجود تشريعات وقوانين جديدة، مضيفا «أن مجلس الأمة الآن مهيأ تماما للحكومة لإصدار قوانين تستطيع من خلاله وضع الكويت امام خيارات عديدة لتنويع مصادر الدخل».

 وأشار السلطان إلى أن الكويت قادرة على الخوض في العديد من المجالات التي تجعلها رائدة كما كانت في سبعينيات القرن الماضي عندما كان النفط بـ7 دولارات فقط.

 ولفت إلى أن القطاع الخاص جاهز وعلى اتم الاستعداد للقيام بدوره، ولكن ما يريده هو تسهيل الطريق أمامه، مشيرا الى انه يجب تخفيض الاعتماد على النفط ووضع نظرة جديدة ودراسة متناسقة للخروج من أزمة العجوزات في ظل الانخفاض المستمر للنفط.

back to top