روسيا... لا تراجع وحربها مستمرة
عندما أحبط الروس ما كان جولة أولى لمفاوضات أو "محاولات" حل الأزمة السورية بين المعارضين والنظام، وعندما أجبروا المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا على تأجيل هذه المفاوضات حتى الخامس والعشرين من هذا الشهر، فإنهم أرادوا إعطاء طائراتهم وجيوشهم الفرصة التي يحتاجونها لإلحاق هزيمة عسكرية ساحقة ماحقة بالمعارضين السوريين، وإجبار مئات الألوف من العرب السنة على الهروب من وطنهم، واللجوء إلى الخارج لاستكمال عملية "التطهير" العرقي والطائفي التي كان بدأها نظام بشار الأسد أساساً منذ مارس 2011.والآن ولأن الروس ومعهم الشراذم المذهبية التي جرى استيرادها من كل حدب وصوب قد فشلوا، خلال الأيام القليلة الماضية التي نفذوا خلالها، حسب بلاغاتهم العسكرية، "1900" ضربة جوية، فإنهم لجأوا إلى السعي للحصول على المزيد من الوقت ليكملوا مهنتهم القذرة هذه، عندما تقدموا باقتراح، حسب مسؤول غربي، بتأجيل وقف إطلاق النار المقترح حتى بداية مارس المقبل.
والمعروف أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد أعلن بعد جولة المفاوضات الفاشلة مباشرة أن الغارات الجوية الروسية ستستمر، ولن تتوقف إلى أن يتم القضاء على من أسماهم بـ"المتطرفين"، والمقصود بالطبع هو الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة المعتدلة، وليس "داعش" أو "النصرة" ولا أي تنظيم آخر. إذن كان التخطيط من قبل الروس أن يتم إفشال جولة "المحادثات" قبل أن تبدأ، وأن تباشر طائرات الـ"سوخوي 34" قصفاً مكثفاً على مدينة حلب وجوارها، لحمل أهلها على النزوح واللجوء إلى الخارج استكمالاً لعملية التطهير العرقي والطائفي، وتدمير المعارضة المعتدلة لتحل محلها في المفاوضات المعارضة المدجنة المشكلة من مجموعة هيثم المناع وقدري جميل و"الميليشيا" الكردية التي يرأسها صالح محمد مسلم، التابعة للحزب الكردستاني – التركي "p.k.k"، والتي تخضع لإشراف المخابرات السورية عسكرياً وسياسياً وفي كل شيء.لكن ثبت أن حلب في حقيقة الأمر بقيت صامدة، وأن المعارضة بكل فصائلها المسلحة وغير المسلحة تمكنت من التقاط أنفاسها بسرعة، وأعادت ترتيب صفوفها على أحسن مما كانت عليه، ثم وإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن العامل الحاسم والمؤثر هو أن التحرك الذي بادرت إليه السعودية التي لوحت بالبديل (ب)، أي العمل العسكري، إذا فشلت محاولات وقف إطلاق النار قد جعلت الروس يعيدون النظر في حساباتهم ومناوراتهم، مع عدم التخلي عن المسار التدميري الذي سلكوه منذ بداية هذه الأزمة.وهنا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو عدم الثقة بالتصريحات الأخيرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فالأميركيون بقوا خلال الأعوام الخمسة من عمر الأزمة السورية يتقدمون خطوة واحدة، ويتراجعون عشرين خطوة، وهذا ما كان أشار إليه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، بعد إعلان عزمه المغادرة والتخلي عن منصبه، عندما هاجم الرئيس باراك أوباما، وقال: إن سياسته حول سورية عكس تصريحات وزير خارجيته، وعندما قال: "إن موقف واشنطن من عملية السلام في هذا البلد غير واضح"، وعندما اتهم روسيا وإيران بـ"إطالة وحشية بشار الأسد".