وصْل ضفاف البحر الأحمر للتحول إلى «مركز عالمي»

نشر في 13-02-2016
آخر تحديث 13-02-2016 | 00:01
لدى منطقة البحر الأحمر فرصة فريدة للتطور والتحول إلى مركز عالمي للتميز في تسهيل التجارة، وتعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية في مختلف أنحاء المنطقة، وبناء محرك نمو جديد للاقتصاد العالمي، وكل المطلوب هو الإرادة لاغتنام الفرصة.
 بروجيكت سنديكيت لَعِب البحر الأحمر دوراً محورياً في التجارة العالمية لآلاف السنين، ففي زمن الفراعنة، كان في قلب تجارة التوابل العالمية، واليوم يُعَد شرياناً عالمياً أساسياً يغذي الطلب الغربي على النفط والغاز، ويسهل تدفق السلع بين أوروبا والأسواق الآسيوية المزدهرة، ويمر عبر حوض البحر الأحمر أكثر من 10 في المئة من التجارة العالمية سنويا، وهو الرقم الذي يتوقع أن يتزايد مع مضاعفة مصر لِسِعة استيعاب قناة السويس.

ولكن برغم ذلك، وباستثناءات قليلة، تبحر أغلب الثروة الحديثة التي تولدها هذه التجارة في طريقها مسرعة، فلا يخلف مرورها أثراً يُذكَر، وليس هناك من الأسباب ما قد يحتم استمرار هذه الحال؛ فالجهود الإقليمية الرامية إلى تسهيل التجارة وتشييد البنية الأساسية قادرة على تصحيح وضع البلدان المطلة على البحر الأحمر لكي تصبح مقصداً للاستثمار العالمي والتجارة الدولية.

تُعَد منطقة البحر الأحمر، التي تضم عشرين دولة تستخدم هذا المسلك كممر أساسي لتجارتها، السوق الناشئة الكبرى، والأسرع نموا، والأقل استغلالاً في العالم، وتتوقع الأمم المتحدة أن يرتفع عدد سكان هذه المنطقة في غضون السنوات الخمس والثلاثين المقبلة إلى أكثر من الضعف، من 620 مليون نسمة اليوم إلى 1.3 مليار. وسوف يكون هذا النمو السكاني مصحوباً بواحد من أعلى معدلات التوسع الحضري في العالم، وهو ما من شأنه أن يعمل على خلق طبقة متوسطة مزدهرة، والتي تشير تقديرات مؤسسة بروكنجز إلى أنها ستنمو من 136 مليون نسمة اليوم إلى 343 مليون نسمة بحلول عام 2050. وخلال نفس الفترة، وفقاً للتقديرات الحالية، سوف يتضاعف الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة إلى ثلاثة أمثاله، من 1.8 تريليون دولار اليوم إلى 6.1 تريليونات دولار، في حين يزداد حجم التجارة إلى خمسة أضعافه، من 881 ملياراً إلى 4.7 تريليونات دولار.

ولكن بقدر ما تُعَد هذه الأرقام مشجعة، فإن المنطقة لديها قدرة كامنة على القيام بما هو أفضل من هذا كثيرا، فالتوقعات الطويلة الأجل لحصة منطقة البحر الأحمر في التجارة العالمية راكدة نسبيا. ووفقاً لبنك إتش إس بي سي، على سبيل المثال، سوف تمثل التجارة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا 10 في المئة من الإجمالي العالمي في عام 2050، مسجلة بذلك ارتفاعاً طفيفاً من 9 في المئة اليوم.

وهناك أسباب وجيهة لهذه النظرة المحافظة، ذلك أن البنية الأساسية في العديد من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا محدودة نسبيا؛ فهناك عدد قليل من الموانئ البحرية العميقة من الطراز العالمي في البحر الأحمر أو أي مكان قريب.

وتتفاوت مستويات التنمية الاقتصادية على نطاق واسع، من دول مجلس التعاون الخليجي الغنية إلى الاقتصادات الناشئة في شرق إفريقيا والمنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، ومن المؤسف أن الخلافات السياسية والثقافية لا تشجع دوماً التعاون عبر الحدود.

ومن شأن مبادرة منسقة لتسهيل التجارة في منطقة البحر الأحمر أن تخلف تأثيراً كبيراً على التنمية في المستقبل، فتعزز الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10 في المئة إلى 6.6 تريليونات دولار وتعزز التجارة بما يقرب من 35 في المئة إلى 6.3 تريليونات دولار، وذلك وفقاً لدراسة بحثية أجريت بتكليف من مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

ومن خلال تعزيز قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تشكل المحركات الأساسية للنمو وخلق الوظائف، على الوصول للتجارة العالمية، فإن مثل هذه المبادرة من شأنها أن تعمل على تنويع الصادرات وتعزيز الحصة المحلية في سلسلة القيمة العالمية بشكل ملحوظ.

ويتطلب تحقيق هذا إدخال تحسينات كبيرة على القدرات اللوجستية في المنطقة، إذ تسجل أغلب الدول في منطقة البحر الأحمر الاقتصادية على مؤشر البنك الدولي لأداء الخدمات اللوجستية الذي يتألف من خمس درجات مستوى أدنى من 2.6، وقد سجلت السوق الأكثر دعماً للخدمات اللوجستية في المنطقة وهي الإمارات العربية المتحدة، 3.54 نقطة على المؤشر، وهو ما يكفي بالكاد لوضعها بين أفضل 20 في المئة من البلدان على مؤشر أداء الخدمات اللوجستية.

وينبغي للقطاع الخاص أن يكون في طليعة الجهود المبذولة لتشييد البنية الأساسية وإقامة روابط الخدمات اللوجستية التي تشكل العمود الفقري للتجارة العالمية، وتوظيف التكنولوجيات والنظم القادرة على تعظيم الكفاءة، وتوفير التدريب والمهارات لتعزيز الأداء، وهذه العملية في حد ذاتها كفيلة بخلق الوظائف، وفتح مسارات وظيفية ومهنية، وتحسين فرص الحصول على التعليم في مختلف أنحاء المنطقة.

وسوف يكون لزاماً على الحكومات الوطنية أيضاً أن تشارك، من خلال تبسيط الضوابط الجمركية، وسياسات إدارة الحدود، وقواعد تنظيم التجارة الإقليمية.

ولعل البداية الطيبة هنا تتمثل في تأسيس اتفاقية تجارية لمنطقة البحر الأحمر، على غرار الشراكة عبر المحيط الهادئ، تحدد تدابير بعينها للحد من تكاليف التجارة عبر الحدود وتنشئ الآليات اللازمة لتسوية المنازعات بين المستثمرين والحكومات.

وربما تكون مبادرة محتملة أخرى تأسيس بنك إقليمي للبنية الأساسية، على غرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية الذي أنشأته الصين، ومن شأن هذه المؤسسة أن تعمل على تسهيل التوزيع الفعّال لرأس المال لتنمية البنية الأساسية في مختلف أنحاء المنطقة، وتحسين القدرات التجارية الوطنية وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

الحق أن منطقة البحر الأحمر لديها فرصة فريدة للتطور والتحول إلى مركز عالمي للتميز في تسهيل التجارة، وتعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية في مختلف أنحاء المنطقة وبناء محرك نمو جديد للاقتصاد العالمي. وكل المطلوب هو الإرادة لاغتنام هذه الفرصة.

 * فهد الرشيد | Fahd Al-Rasheed ، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت» مبادرات محمد بن راشد العالمية، 2016، بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top