ترانيم أعرابي: العقد الفريد في أنواع أهل التغريد

نشر في 16-02-2016
آخر تحديث 16-02-2016 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم بات موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" من أساسيات حياة الكثير من الناس في العالم، وقد غزت ثقافة "تويتر" عقول أبناء الأمة العربية حتى صار التواصل من خلاله سبيلا للإصلاح وإسقاط الأنظمة الفاسدة، كما حدث في مصر وتونس، وحاز "تويتر" جانبا كبيرا من أوقات الشباب والشابات حتى صاروا يقضون جُل أوقاتهم فيه، بل تجد الكثير من الناس متسمرين أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية الحديثة يضحكون ويبتسمون لها، فطغت الفردية في بعض الأحيان عليهم حتى إنهم يجلسون بأجسادهم وعقولهم مغرّدة.

التغريد في "تويتر" له نكهة خاصة لأنه يجمعك مع أشخاص لا تعرفهم في واقعك إنما جمعتكم الأفكار والآراء فصرتم أحباباً لكم مجلسكم التويتري تغردون من خلاله وتتجاذبون أطراف الحديث وتناقشون الآراء تتفقون تارةً وتختلفون تارةً أخرى.

"تويتر" مجتمع افتراضي، فهو كسوق عكاظ في الجاهلية يجتمع الناس فيه ليعرضوا عقولهم وأفكارهم من خلال تغريدات لا تتجاوز الـ140 حرفاً، وهذا ما يُميز التغريد عن معلقات عكاظ، إذ إن "تويتر" يعلمنا الاختصار المفيد أما قصائد شعراء الجاهلية فكانت من الطويل المفيد المُمِلِ للبعض.

مشكلة بعض المغردين أنهم يدخلون "تويتر" من أجل كسب متابعين لهم فقط لا يهمهم كيف يستقطبون المتابعين، وما يشغل بالهم هو التباهي في مجالسهم بعدد الأشخاص في قوائم المتابعين، ولعلهم غفلوا عن أمر مهم هو أنني قد أتابعك لكنني لا أحبك، ولا أقدِرُ ما تكتب، كل ما هنالك أنك شخص غريب الأطوار مثير للجدل، بالطبع كثرة المتابعين يجب أن تكون أحد أسباب التغريد في "تويتر" إلا أنها ليست الهدف الرئيس فكل مغرّد يود أن تصل أفكاره إلى مئات الآلاف بل الملايين من الناس، وهذا لا يعني أن أطرح ما يعجب الناس وأخسر ذاتي لكي أكسب الآخرين فقط، فخسارة المرء لذاته تعني وفاته الأدبية في عالم التغريد.

أن يتابعك شخص لأنه أُعجب بما تكتب خيرٌ من أن يتابعك المئات لأنك مضحك! وتسخر من الآخرين! فغرّد بكلمات تضمن لك الصيت الحسن في بلاد المغردين، وكن صاحب مبدأ ثابت ورؤيةٍ مبصرة وأخلاق عالية لأن من يتابعك من أجل أفكارك سيكون مخلصاً لك ناصحاً أميناً، أما من يتابعك لكثرة سخريتك من الآخرين فسيأتي يومٌ يسخر هو منك. وجدت المغرّدين كالطيور أنواعا وأشكالا مختلفة كاختلاف البشر في عالمنا الحقيقي، وما "تويتر" إلا انعكاس الواقع على الخيال، وجدت من المغردين نسوراً تعيش في قمم الجبال ليس لأنها راقية ومجتهدة، بل لأنها كسولة لا تحب العمل، قوتها في وقاحتها مع الآخرين تقتات على الجيف ولا يهمها كيف قُتلت الفريسة، كل ما يهُمها أن تشارك في نهش لحمها، فتجد أصواتهم نشازاً في "تويتر" يتحدثون في أعراض الناس ولا يهمهم دقة الأخبار أو صحتها.

وهناك من المغردين مهاجرون يكونون، كطيور الفلامنغو، أصحاب منظر موسمي جميل، كلامهم منسق منمق وما إن تقترب منهم حتى يغادروا المكان فليتنا نتركهم أطول فترة ممكنة دون إثارتهم أو الاقتراب منهم.

وتجد من أهل "تويتر" من يكون كالنعام شكله مخيف وحجمه بين المتابعين كبير، يبدأ بالتغريد فتحسبه سيطير من شدة تنسيقه للجُملِ وكثرة استخدامه للسجع، فتظهر على كلماته هيبةٌ هي في حقيقة الأمر خيبة، فحالما تناقشه فيما كتب تجده انسحب من الحوار بإدخال رأسه في الأرض، ويحسب أنه عندما يخبئ رأسه لا يراه أحد.

أما صقور المغردين فهم الأكثر تميزا والأجمل، لهم نفوس أبية يجمعون الوسامة والقوة، يقدر كلماتهم المغردون، لا يقتصون لأنفسهم إلا إذا تعرضوا للظلم، وعندها يكون ردهم شرساً، غالب صقور المغردين لهم أصحاب من أهل العلم أو من مؤلفي الكتب، عقولهم هي من توجههم، ونفوسهم عظيمة لا يكبرون صغائر الأمور بل يصغرون عظائمها. وهناك من المغردين من لا يعيش إلا في سرب كالحمام يحب الأنس بقرب الآخرين، ويشعر أنه بلا مجموعة ضائع تائه، رأيه من رأي المجتمع، يكتب ما يكون حديث الساعة ويتأثر بما يقوله بنو سربه، لا تكاد تفرق بينه وبين بقية الحمام لأنه في واقع الأمر لا فرق. أما الصنف الأخير، فهو كالغربان شكلها قبيح وصوتها نشاز، أسود كئيب المنظر، يأكل الجيف، رديء الصيد، يسرق الطعام، انتهازي شرس، يسرق كلمات الآخرين وينسبها إلى نفسه، مستعد لسحق الآخرين من أجل أن يعيش، لا مروءة عنده ولا كرامة، ولمثله وجد الحجب في بلاد المغردين.

شوارد:

هذه بعض الأصناف التي تعايشت معها في "تويتر" وما أجمل الحياة هناك، حيث التغريد والاندماج مع الآخرين، ومن عجائب بلاد التغريد أنك تستطيع تغيير صنفك ونوعك، فالغراب قد يصبح صقراً، والعكس صحيح.

back to top