استغفال الناس ليس عملاً حصيفاً
قبل التحذير الحكومي للنواب فيما لو أصروا على اقتراح إسقاط القروض وعدد من الاقتراحات «الشعبية» الأخرى، يدرك مجموعة هؤلاء النواب أن هذا يعني مواجهة مع السلطة السياسية، وأنّ حل المجلس سيكون محتماً، وقد لا يكون حلاً دستورياً، ومع ذلك أصر هؤلاء الحماسيون الشعبيون على مطالبهم، التي تورّطوا فيها هم بالتأكيد، حين وعدوا الناخبين بها وأمّلوهم بوهم وكأنّه حلم قابل للتحقيق، وكأنهم يتحدثون عن تعهُّد حزب المحافظين البريطاني بالخروج من المجموعة الأوروبية.
استعباط الناس واستغفالهم ليس عملاً سياسياً حصيفاً في بلد مُتناءٍ عن العقلانية والتدبير السليم من أي من السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولماذا كان ذلك الاستعراض النيابي من هؤلاء وهم يدركون البئر وغطاءها في تاريخ ما يُسمى «الديموقراطية الكويتية العريقة» ودستور الدولة السامي؟!
من ناحية إذا حدث حلُّ المجلس (حلاً دستورياً أم غير دستوري)، فالاتهام سيوجّه لهؤلاء النواب الذين طالبوا بإنهاء العمل البرلماني ضمنياً وبسوء نيّة، حين اشترطوا أنه لا تعاون بين السلطتين ما لم تُحقّق مطالبهم الصعبة (الشعبية أو الشعبوية)، فهم عندها سيكونون المسؤولين عن مثل ذلك، وسينتهى عندها الحد الأدنى الاستشاري لمجلس نواب الأمة، كلمة «استشاري» أصدق على المضمون الحقيقي للممارسة النيابية بالكويت في الكثير من أوقاتها وليس كلها، وستنتهي حلقة الوصل البسيطة بين السلطة السياسية والمواطنين، وسنخسر عدداً من النواب الحصفاء العقلانيين في ممارسة الحد الأدنى من الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية.
ومن ناحية أخرى، وعلى الصعيد المقابل، لا يصح أن نقع ضحية خيال مريض لليبرالية ضحلة بأن الكويت ستنافس دول الخليج التي سبقتها في ميادين التقدم من تعليم وانفتاح سياحي واقتصادي ودور إقليمي وعالمي بارز، وتخطتنا تلك الدول القريبة على مضمار الحريات الشخصية دون السياسية فيما لو حُلّ المجلس، فهنا السلطة تاريخياً قامت على قاعدة أساسية لا يصحّ أن تغيب عن وعينا، وهي شراء الولاءات السياسية مالياً أو عبر المزايدات على قيم المحافظة والتّزمُّت، وفي الحالتين سيكون خسران المستقبل القريب وليس البعيد هو الأقرب للحدوث... ما العمل؟... هم أبخص... أليس كذلك؟!