عندما يكون الوزراء في أي حكومة نتاج محاصصة قبلية وطائفية، دون الاعتماد على الكفاءة والخبرة، فلا تتوقع إنجازاً لحكومة كهذه، وإذا كانت خريطة طريقها إنشائية، وخطة عملها كومة تصريحات، فلا تنتظر منها قرارات حاسمة، لأن أغلب أعضائها فوجئوا باختيارهم لهذه المناصب، ونزلوا على كراسيها بالباراشوت، فهم ليسوا أبناء الوزارة، ولا يعرفون ما يجري في أروقتها إلا من خلال الإعلام، ومن يحمل هذه المواصفات لابد أن يكون همه أن يغني على ليلاه الشخصية، وإذا ما تضامن أعضاؤه لدعم قضية من القضايا، فهو ظاهرياً فقط، وأمام إعلام موجه، فيحسبهم الناس جميعاً وقلوبهم شتى، وأناس بهذه الخصال لا تكون المصالح العامة أو الوطنية ضمن أولوياتهم المحشوة بأهواء القبيلة وأهداف الطائفة ومصلحة العشيرة وتطلعات تياراتهم السياسية والدينية. ومثل هذه الحكومات فكرها «مشوش»، بعيد عن طموحات ومتطلبات المواطنين، وسترتبك عند وقوع أي أزمة سياسية أو اقتصادية، مهما كانت تافهة، وتشعر بالضعف والهوان أمام أي مساءلة برلمانية حتى لو كانت استجواباتها مطبوخة قبل تشكيل الحكومة، ولهذا غالباً لا يضمن بعض الوزراء أن يتضامن زملاؤهم معهم، لأنهم لن يتخلوا عن مصالحهم الشخصية من أجل عيون وزير لا ينتمي إلى قبيلتهم ولا طائفتهم ولا تيارهم، فمصالحهم الشخصية هي العليا، ولهذا لا تستغرب إذا استغل وزير منصبه لإرضاء النواب والمتنفذين، فيلوي ذراع المصالح الوطنية لمنح المقربين والمتنفذين عطايا واستثناءات لا يستحقونها، وإلا كان الاستجواب معداً لإقصائه من المنصب الوزاري، فطلبات النواب مجابة، حتى إن ادعى البرلمانيون كذباً أنهم غاضبون من تكسبات بعض الوزراء، لأنها تصريحات سياسية للاستهلاك الإعلامي، وهم السبب فيما نعانيه من علل اجتماعية وسياسية واقتصادية. حقيقة يجب ألا نندهش، لأن حالنا هذه ليست وليدة الأمس القريب، ولا هي مستجدة على حياتنا اليومية، ويجب ألا ندعي زوراً أن السياسيين الفاسدين ظهروا كالفقاعات في عالمنا فجأة دون سابق إنذار، فما نراه ونسمع ونقرأ عنه يومياً هو في الحقيقة (Copy/Paste) لما كنا نعايشه منذ عقود عديدة، لكننا لم نكن نعير فساد «الآخرين» أي التفاتة، حتى إن كانت بهذه المناظر المقززة نفسها والصور الميكروسكوبية ذاتها، لأن مصالحنا كانت كلها «ماشية، والكل ماكل وشارب ونايم حسب الأصول»، حتى مرت السنوات فضاقت علينا دنيا الرفاهية بما رحبت، فبدأنا بالخوف على مصالحنا الشخصية أولاً، وعلى ضياع تلك الرفاهية ثانياً، ولا عزاء لمصالح الوطن في شكاوانا إلا اليسير مما يظهرنا أننا وطنيون.
ولولا اختراع «الكفار» لتكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي التي تنوعت في فضح كبار المسؤولين في كثير من الدول، لما عرفنا أن الفساد عندنا قد تراكم حتى صار بهذه الضخامة والبشاعة، فالتوظيف العشوائي الباراشوتي في مؤسساتنا ما هو إلا قناة واحدة من عشرات قنوات الفساد الذي عشش في عقليات القيادات وأولهم السياسيون، فتسبب في إبعاد الكفاءات الوطنية عن المشهد العام، واعتقد البعض وكأن الديرة خالية من الكفاءات، أو كأن السياسيين هم الذين يعرفون منبع القيادات الجيدة والخبراء المتميزين، حتى صار أبناؤنا عاطلين عن العمل لا يجدون في بلدهم وظيفة تطابق تخصصاتهم، ولا عملاً يسترزقون منه، فهذه هي كويت اليوم، ولهذا أسأل: ماذا لو حصل أبناء الكويتيين على وظائف أو مناصب، وزادت رواتبهم غداً، وفي المقابل استمر الفساد بكل أشكاله التي عرفناها بعد التحرير، هل سيشتكي الكويتيون بالنبرة والحدة أنفسهما ضد الفساد؟