«يا ما ليالي أنا وخيالي
أفضل أصبَّر روحي بكلمة يوم قلتهالي
وابات أفكر في اللي جرالك واللي جرالي
وأقول ماشافش الحيرة عليّ لما بسلم
ولا شافش يوم الشوق ف عنيا راح يتكلم
وأرجع أسامحك تاني وأحن إليك وألقاني
بدي أشكيلك من نار حبي، بدي أحكيلك ع اللي ف قلبي
وأقولك ع اللي سهرني وأقولك ع اللي بكاني
وأصورلك ضنى روحي وعزة نفسي مانعاني».
مقطع من قصيدة غنتها أم كلثوم ومطلعها «حيرت قلبي معاك وأنا أداري وأخبِّي».
هزني هذا المقطع المتفجر بالطاقة التعبيرية والعاطفية، حيث يصور حالة الحرمان وضنى الشوق وكيف قذف هذا الحرمان والصدود بالصَّب المغرم في تيه الوحدة، فحرم حتى النديم والخِل الذي يبثه لواعج قلبه فلم يجد سوى الخيال يودعه شكواه ونجواه.
ولكن قاتل الله السياسة التي انتزعتني من هذا الجو الجمالي الأدبي والفني لترمي بي في دائرة السياسة الموحشة، فتخيلت الطيبين من الشعب الكويتي الذين يمثلون الأغلبية سواء الصامتة أو الناطقة ممن عاشوا ويعيشون جماليات حقبة الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، تلك الحقبة الباهرة الجمال والحُسن التي لبست الكويت فيها أروع حللها، وعاشت فردوس حلمها واقعاً ملموساً، والشعب يرتشف لذائذ السعادة وأفاويق الحبور، وفجأة انتقل الأمير رحمه الله إلى جوار ربه فانطفا الحلم وغار الواقع الفردوسي الموجع للروح الضربات القاسية لأيقونات وشواخص تلك الحقبة الباذخة الجمال في صورة انتقامية الى أن وصل التدمير إلى كل شيء، فتحولت الكويت من جوهرة الخليج إلى الصورة التي نعيشها، في حين دول الخليج تبدأ بصنع فراديسها وتفرش أرضها بجماليات فائقة الحُسن، وتُلبس شعوبها كل مشاعر السعادة.
ونحن ما بقي لنا إلا خيالنا الفاتن الحبيب نناجيه ونبثه شكوانا، ولا عزاء لنا إلا الرجوع إلى فردوسنا الذي يسكن خيالنا بعد أن فارق واقعنا إلى ما وراء برزخ الأحلام، لذلك لا نلوم رئيس مجلس الأمة العم أحمد السعدون عندما سمع خطاب سمو ولي العهد نيابة عن سمو الأمير، حفظه الله، والذي تضمن خطوات إصلاحية ووعوداً بالغة الصدق بالتغيير الإيجابي وإعادة فردوس الكويتيين المفقود، وساق الخطاب الرجاء للشعب بأن يُحسن اختيار نواب البرلمان، وأن الحكومة لن تتدخل في العملية الانتخابية، ولن تتدخل في اختيار رئيس مجلس الأمة ولجانه، وأن الشعب سيمارس حريته، وقد صدق في وعده فاعتبر السعدون ذلك الخطاب أهم خطاب بعد خطاب الأمير الراحل عبدالله السالم، رحمه الله، ووجدناه يقدم كل الثناء للقيادة السياسية ويزرع الأمل في النفوس.
واختار الشعب فعلا أغلبية قادرة على ممارسة العمل التشريعي والرقابي في ظل توافق برلماني حكومي لم يسبق له مثيل، وقدمت الحكومة برنامج عمل لأول مرة في تاريخ البرلمان تتكامل له معايير القبول إلى حد مقبول.
كان المطلوب من النواب أن يكونوا ذوي ذوق واقتدار فني شاهق وخيال يضاهي خيال دافنشي ومايكل أنجلو وبيدهم الأزاميل والفُرش فيشرعون في نحت فردوسنا المفقود، لكن معظم النواب خيالاتهم جعفاء فانحطت في مستوى الاسترضاءات الشعبوية ومداعبة المطالب الممجوجة كإسقاط القروض وزيادة الرواتب، وحال القيادة السياسية الطامحة للتغيير وإعادة الكويت إلى سابق مجدها كحال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي حين قال معبراً عن يأسه:
غَزَلتُ لَهُم غَزلاً رَقِيقاً فَلَم أَجِد
لِغَزلِيَ نَسَّاجاً فَكَسَّرتُ مِغزِلي.