منذ عدة أسابيع، تحاول السلطات الروسية إضفاء بُعد ديني ومقدّس على غزوها لأوكرانيا، غير أن هذا الخطاب يحدث انقسامًا حتّى داخل الكنيسة الأرثوذكسية.

في إشارة إلى أهمية البعد الروحي الذي يحاول الكرملين إضفاءه على عمليته العسكرية في أوكرانيا، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي في تمنياته بمناسبة رأس السنة، أن «الحق الأخلاقي والتاريخي إلى جانب» روسيا.

Ad

يعكس هذا التصريح رغبة السلطات في تبديد شكوك جزء من السكان بسبب غزو القوات الروسية لبلد أغلبية المؤمنين فيه من المسيحيين الأرثوذكس، كما في روسيا.

وفي وقت كانت موسكو تواجه سلسلة انتكاسات عسكرية، اكتسب الخطاب الديني زخمًا متزايدًا منذ الخريف، بحيث صوّر مسؤولون كبار ووسائل إعلام رسمية الغزو في أوكرانيا على أنه «حرب مقدّسة» ضدّ الغرب الذي تعتبره موسكو منحطًّا.

مطلع نوفمبر، أكّد الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أن «الهدف المقدس» للهجوم هو «إيقاف سيد الجحيم».

وقال حينها «نحن نحارب أولئك الذين يكرهوننا، والذين يمنعون نشر لغتنا وقيمنا وإيماننا»، معتبرًا أن أعداء روسيا هم «النازيون» الأوكرانيون و»كلاب» الغرب.

إلى جانب الخطابات، يتجلّى تداخل الشؤون الدينية بالعملية العسكرية في إرسال موسكو عشرات الكهنة إلى جبهة القتال لدعم الجنود.

ويقول الكاهن العسكري سفياتوسلاف تشوركانوف لوكالة «فرانس برس»، إن هدف هذه المهمات العسكرية منع الجنود من «خسارة إنسانيتهم (...) حتى لو دفعهم الوضع القائم إلى ذلك».

ويضيف أن على الكاهن «أن يزرع في روح الجنود فكرة أنه لا يجب تعذيب السجناء (...) لا يجب أن ننهب، ولا أن نؤذي المدنيين».

ولا يسائل تشوركانوف شرعية هذا الغزو، معتبرًا أنه يهدف إلى الدفاع عن «القيم التقليدية» التي يعتبر كلّ من الكرملين والكنيسة الأرثوذكسية أنهما وصيّان عليها.

ويتابع «في أوكرانيا، حتى في ظروف الحرب، يُنظّمون مسيرات (فخر المثليين) لإظهار انتمائهم إلى القيم الغربية».

ومن أجل تعزيز أهمية هؤلاء الكهنة في سير النزاع، منح بوتين في نوفمبر لقب «بطل الاتحاد الروسي»، وهو أعلى وسام في روسيا، إلى كاهن أرثوذكسي قُتل في المعارك ويُدعى ميخايل فاسيلييف.

وعبّر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك كيريل أيضًا عن دعمه للنزاع، مؤكدًا دعمه ل»الإخوة» الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا والذين «رفضوا» القيم الغربية.

وفي عظة ألقاها نهاية سبتمبر، أكّد البطريرك كيريل أن الأشخاص الذين قُتلوا خلال تلبيتهم «الواجب العسكري» قدموا «تضحية تغسل كل الخطايا».

ويعتبر نيكيتا أستاخوف، وهو المدير الفني لمسرح «غلاس» (الصوت) «الروحي» الأرثوذكسي الروسي، الذي يعرض مسرحيات تتناول قضايا دينية، «لقد وقفت روسيا دائمًا في وجه الشر».

ويضيف، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، «لن تُهزم روسيا أبدًا مادام أكثر من نصف سكانها من الأرثوذكس».

لكن هذا التدخل للكنيسة في النزاع وارتفاع النبرة الدينية في الخطابات، لا ينال إجماعًا في روسيا.

فيعتبر الكاهن الأرثوذكسي الروسي في مدريد أندري كوردوتشكين، في مقابلة مع «فرانس برس»، أن «خطاب الحرب المقدسة هذا يأتي مباشرة من العصور الوسطى».

ويوضح أن مصطلح «الحرب المقدسة» هو «المصطلح نفسه الذي كان يستخدمه البابا أوربان الثاني حين بارك الحملة الصليبية (التي انطلقت عام 1096)، واعداً الصليبيين بغفران خطاياهم».

ويضيف «لكن من المستحيل أن نعود إلى الماضي (...) لا يمكن لحرب ما، وهي شكل من أشكال جريمة القتل، أن يكون لها أي معنى روحي».

وأحدثت بطريركية موسكو، من خلال دعمها الصريح للعملية العسكرية في أوكرانيا، ضجةً في العالم الأرثوذكسي وصراعاً مريراً بين الكنيستين الأرثوذكسيتين في روسيا وفي أوكرانيا.

وفي صفوف الكهنة الروس تباينات. فمنذ الأول من مارس، وقّع 293 كاهنًا أرثوذكسيًا عريضة ضدّ «الحرب بين الأشقّاء».

ويقول الكاهن أندري كوردوتشكين «ليس المجتمع (الروسي) فقط منقسمًا، بل أيضًا الكنيسة والكهنة».

وعاقبت البطريركية العديد من الموقّعين على هذه العريضة، وفق ما يقول أحدهم طلب عدم الكشف عن هويته.

ويوضح «بعضهم نُقلوا من الرعيات التي خدموا فيها لسنوات واستُبدلوا بكهنة موالين للسلطة»، واصفاً الهجوم الروسي ب «الكارثة».

ويتابع «في السنوات الأخيرة، تعززت الروابط بين السلطة الأرثوذكسية العليا والسلطة السياسية»، مضيفًا «لقد ساعدت الدولة الكنيسة كثيرًا وهذه المساعدة خلقت تبعية كبيرة».