كسرت حكومة محمد شياع السوداني أعرافاً كثيرة في الحياة السياسية العراقية، محاولةً إرضاء حلفاء طهران في كتلة الإطار التنسيقي بشأن كثير من القضايا التي ظلت خلافية طوال أعوام، لكن كل ما بذله رئيس الوزراء الجديد لا يعد كافياً بالنسبة للعديد من الأصوات الأكثر تشدداً بين الفصائل.
وتزامنت الذكرى الثالثة لمقتل جنرال الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية بمطار بغداد، مع تجدد المطالبات بتقييد الوجود العسكري الأميركي في العراق، وتحدثت مصادر أمنية عن إسقاط طائرة مسيرة، أمس، فوق قاعدة عين الأسد، التي تضم أكبر معسكر أميركي غرب الأنبار.
ورغم أن مصدراً عسكرياً عراقياً نفى ل «الجريدة» في اتصال هاتفي، سقوط أي جسم طائر على القاعدة فإنه كشف عن وجود «تدريبات أمنية» تضمنت إطلاق نار من أسلحة مختلفة، لافتاً إلى أن ذلك يُحدث بعض التوترات حيث تقع القاعدة بين طرق متداخلة على الحدود العراقية - السورية، وتزدحم هناك مقرات الجيش العراقي مع الدوريات الأميركية ومعسكرات الفصائل الموالية لإيران.
وتقول أوساط شيعية إن الاتجاه الرسمي في إيران لا يريد حالياً إحراج حكومة السوداني مع الغرب، غير أن هناك أطرافاً في الحرس الثوري لا تأبه بذلك، وتعده «جزءاً من لعبة يجب على واشنطن القبول بها»، حسب مصدر مقرب من القيادات العليا في بغداد.
وأضاف ذلك المصدر أن الأطراف الأكثر تشدداً تمارس أشد الضغوط هذه الأيام لإجبار بغداد على منح الجنسية العراقية لقاسم سليماني، «تكريماً لخدماته الجليلة» وباعتبار أنه قتل وهو ضيف على العراق، رغم أن مصادر الحكومة قالت مراراً إن زيارته التي قُتل فيها لم تكن بدعوة حكومية، وتزامنت مع قمع الفصائل لحراك تشرين الشعبي أواخر 2019.
وتزامنت ذكرى سليماني ورفيقه العراقي أبومهدي المهندس، مع إقامة بطولة «خليجي 25» في البصرة، وبينما تروج الفصائل إلى أن جنوب العراق يمثل معقلاً لها، شارك العراقيون بكثافة في الكرنفالات الغنائية المتواصلة في البصرة منذ أسبوع على الأقل، ترحيباً بالوفود والمشجعين الخليجيين.
ويقول مراقبون في البصرة إن الفصائل غاضبة لأن المدينة «تجاهلت سليماني والمهندس، وانخرطت في حفلات موسيقية وغنائية، مع وفود البلدان التي كان يعاديها الراحلان».
وترى الأصوات المتشددة أن على السوداني أن يبدو أكثر قوة أمام واشنطن، خصوصاً بعد انهيار سعر الدينار، إثر ضغوط أميركية منعت حلفاء طهران من شراء العملة الصعبة من «المركزي» العراقي.
وسجل الدينار انخفاضاً متسارعاً، بعدما أجبرت واشنطن «المركزي» العراقي على تقليص مبيعاته اليومية من معدل 250 مليون دولار يومياً، إلى نحو 100 مليون فقط، حين وضعت صفقات البيع ضمن نظام «سويفت» لتدقيق غسل الأموال وخرق العقوبات على سورية وإيران من خلال السوق العراقي.
وقد تصبح هذه القضية إضافة إلى الوجود العسكري الأميركي في العراق، أهم الأجندات في زيارة مرتقبة يفترض أن يقوم بها السوداني لواشنطن، وقد تمثل ذروة ضغوط الفصائل عليه، خصوصاً أنه ألمح مراراً إلى وجود «حاجة فعلية للقوات الأميركية» في مجال التدريب وصيانة الأسلحة والاستشارات الاستخبارية.