• قال العبدالله في سؤاله إلى د. الدوسري: نحن الآن وبعد تطبيق ما يقارب الستين عاماً من الدستور، هل مازلنا بحاجة إلى وجود استقلال الإدارة العامة للتحقيقات من جانب، والنيابة العامة من جانب، أم أنه حان الوقت لضم هذين الجهازين ووضعهما في جهاز واحد؟
أجاب الدوسري: حسبما تقول الدراسات الاجتماعية، إذا أردت أن تبحث مشكلة في الوقت الحاضر فعليك أن تغوص في جذورها وتبحث عن الأسباب ومن ثم تصعد إلى السطح وتقارن الوضع الحالي، ونحن إذا رجعنا إلى الدستور لوجدنا أنه في عام 1962 مع إقرار الدستور حصل الكلام الذي حصل في هذه المسألة تحديداً، وكانت بين الخبير الدستوري وبين أعضاء المجلس التأسيسي، إضافة إلى الشيخ سعد العبدالله، رحمة الله عليه، وكانت هناك ظروف معينة وما قبل هذا التاريخ كانت الشرطة والأمن العام كما كان يطلق عليها في ذاك الوقت هي المسؤولة، والتي تتولى الدعوى العمومية بنوعيها الجنايات والجنح.
وبسبب ظروف المجتمع في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ظرف آخر، وهو عدم قدرة النيابة العامة في ذلك الوقت على تولي التحقيق في الجنايات والجنح، بسبب قلة العدد، تم التوافق بين الأعضاء على وضع هذا النسق الذي كان في المادة 167 بأن يتولى من يعينهم رئيس الشرطة والأمن العام التحقيق في قضايا الجنح.
وإذا رجعت إلى المحاضر لوجدت أن هذا النص كان في بعض الجنح إلا أنه بعد ذلك قام الخبير الدستوري آنذاك عثمان الخليل برفع بعض الجنح إلى التحقيق، ثم جاء التعديل في مادة 9 بقانون الإجراءات الجزائية عام 1970 الذي أعطى الاختصاص، ومن ثم أصدر القانون رقم 53/2001، وسمي بقانون الإدارة العامة للتحقيقات، والذي كان مكوناً من 25 مادة، وأعطى الاختصاص بشكل قانوني، وتحول الاستثناء إلى نص قانوني وصدرت بعض الأحكام في القضايا عام 2009 والتي كان لها صدى.
تعديل الاستثناء
ولو تتبعنا هذه النصوص لوجدنا أن الاستثناء اليوم في واقعنا أصبح حقاً للإدارة العامة للتحقيقات، وبالتالي حتى النيابة العامة لا تستطيع أن تحقق في جنحة ما لم تفوض بذلك، وإذا حققت في قضية باعتبار أنها جناية ثم تبين أنها جنحة فإنها بالتالي تحيلها إلى الإدارة العامة للتحقيقات، لوجود بعض الأسباب والأمور الموجودة اليوم، وأعتقد من وجهة نظري أن هذا الاستثناء ينبغي أن يعدل الآن لعدة أسباب، منها توحيد الإجراءات أو جهة التحقيق في الجنايات أو الجنح.
وعندما نقارن هذا الوضع في محيطنا ومحيط دول الخليج نجد أن الكويت هي الدولة الوحيدة التي بها نظام الادعاء العام بالإدارة العامة للتحقيقات، بينما دول الخليج جميعها ألغت هذا النظام ما عدا سلطنة عمان ما زال بها مسمى الادعاء العام، وآخر دولة ألغت هذا النظام هي السعودية، وهنالك دراسة أكاديمية قانونية حديثة للدكتور نايف العتيبي، مدعي عام بالإدارة العامة للتحقيقات، وحصل من خلالها على درجة الدكتوراه قبل عدة أشهر، تحت مسمى «الإدارة العامة للتحقيقات ودورها في الدعوى الجزائية»، وهذه دراسة مهمة جدا، وفي ذات الوقت تبين المراحل التاريخية، وبالنسبة لهذا الموضوع الذي سيطرح في مجلس الأمة أعتقد أنه يعتبر رقم ثمانية أو تسعة، وسبقته سبعة اقتراحات من 1998 إلى 2017 جميعها تدور حول نفس المقترح.
قواسم مشتركة
• وسأل العبدالله المستشار خريبط: أنت رجل قضاء وبالتالي تفهم الطبيعة القضائية لعمل وكلاء النيابة ثم تدرجهم في القضاء، اليوم فكرة ضم الإدارة العامة للتحقيقات إلى النيابة العامة، ومن ثم انخراط هذا الجهاز وانصهاره في جهاز السلطة القضائية هل هذا متاح اليوم؟ هل الوضع الحالي يتطلب هذا التوحيد والتوصل إلى أن يكون جهازاً واحداً أم أن الوضع القائم يبقى كما هو عليه؟ والتحقيقات تحتاج إلى بعض الترتيب والتطوير، برأيك ما الحل في توحيد الدعوى العمومية؟
قال المستشار خريبط: أولاً من وجهة النظر التاريخية أفرد الدكتور فهد توسعاً في هذا المفهوم، ويكفي ما ذكره كمفهوم تاريخي فيما يخص إدارة التحقيقات وفي موضوع ما ورد بالنيابة العامة، أولا يجب أن نعرف أن إدارة التحقيقات والنيابة العامة لهما قواسم مشتركة، فهما ممثلان للدعوى الجنائية أو الجزائية في موضوع الجنح، ولكن هذا لا يعفي القوانين الاجرائية والدستور من أنه أعطى كلاً من النيابة والادعاء العام خصوصاً في المادة 167 أفرد ذلك، والنيابة العامة تمثل الجنايات والادعاء العام يمثل كذا وكذلك نص المادة 9 من قانون الاجراءات أفردت هذا الشيء، والملاحظ مثلما تفضل الدكتور بأن الحق الأصيل هو استثناء حتى لو أفرد بقانون فيظل هذا الوضع استثناء بغض النظر عن الفكرة الاستثنائية.
وأحب أن أوضح القواسم المشتركة بين الاثنين، وهي أولاً التحقيق مع المجني عليه أو المتهم، وثانياً حضور الشهود سواء للإثبات أو النفي، وثالثاً الأمر بتقديم شيء كأوراق أو أمتعة، أياً كانت، ورابعاً الاستعانة بالخبراء، أيا كان هؤلاء الخبراء، سواء كان قطاعاً خاصاً أو عاماً، أقصد بذلك من الدولة أو خبراء خاصين، وخامساً المعاينة والانتقال، وسادساً التحقيق والتصرف في القضية، إما حفظاً أو تقديم تقرير اتهام إلى المحكمة المختصة، إذا كانت جناية فهي جناية، وإن كانت جنحة ففي النهاية ستعود إلى المحكمة.
النيابة هي الأصل
وحتى فيما يخص موضوع الاستعانة أقصد بأن النيابة العامة تستطيع إحالة الجنايات حسب نص القانون، وكذلك العكس بالنسبة إلى الجنح، والدستور جاء على ذكر هذا، فالدستور والقانون أوضحا هذين المسألتين، إذن هذه القواسم المشتركة تخضع لفكرة مؤسسات الدولة، فالدولة تقوم على جانب من المؤسسات، وأقصد بها أولاً وحدة الأمور، وثانياً تقييم الأمور، وثالثاً إحصاء هذه الأمور، وهذه الأمور الثلاثة تعطينا فكرة أنه لابد أن نضع استراتيجية موحدة وليست مقسمة، فلا يمكن كدولة أن نأخذ بمجموعة من الاقتصاديات المتعددة، تارة ليبرالي وتارة إسلامي وتارة أخرى عرفي، ولو نظرنا للدول الأوروبية أو أميركا فسنلاحظ أن مؤسسات الدولة قائمة على استراتيجية موحدة.
وبالتالي لو لاحظنا قانون الإجراءات الجزائية، ورجعنا إلى الدستور الكويتي فسنجده يقول إن النيابة العامة هي الممثل في موضوع الدعوى الجنائية، حتى قانون الإجراءات استبق بداية صدوره، وقال إن النيابة العامة هي الممثلة، إذن أعطى الدرجة الثانية للادعاء العام، إذن الدستور وحد المبدأ، فالنظرة التشريعية ومناقشتهم في اللجنة التأسيسية كانت أن النيابة العامة هي الأصل، وهي التي يجب أن تمسك زمام الأمور.
• وعلق العبدالله: مثلما تفضلت فإن ما تقوله الآن هو أن كل شيء يصب في مصلحة التوحيد فأين المشكلة التي نعيشها الآن؟
- رد المستشار خريبط: المشكلة أنه يجب ألا أنظر إلى الأشخاص، ولا أنظر لماذا وزارة الداخلية في ذاك الوقت؟ تحت نظرة سياسية محددة ومعينة ولاعتبارات تاريخية هذا شيء آخر، أنا أرى الآن أننا دولة مؤسسات، ودولة المؤسسات تقام على فكرة موحدة والفكرة الموحدة لا تعني أشخاصاً بل تعني الفكرة، الأشخاص شيء والأمور الموحدة شيء آخر.
وتأتي الآن وتقول أين نذهب بالمحققين؟ فأنت الآن تحدثني عن أشخاص، أو أين أذهب بالضباط الذين أصبحوا محققين؟ إذن الآن لا أستطيع أن أقيم فكرة الشخص وفكرة الدولة، فكرة الدولة تقوم على هدف مؤسسي، وأن توحد الفهم بالنسبة للمجتمع، والمجتمع تمثله النيابة العامة، والآن كم جنحة وصلت للقضاء والمحكمة الجنائية بحثت فيها للارتباط؟ فالمادة عندما جاءت لتفرق بين الجناية والجنحة لم تتكلم عن المخالفة، ولكن يدخل لك من باب الجنح، المخالفة حق مقرر للشرطة، فوزارة الداخلية في بريطانيا أو أي دولة هي التي تقرر وتأخذ منك الغرامات، وهذا حق طبيعي لها، أما الاختصاصات الأخرى التي تمثل الجنح فالأصل ومادمت أنت أفردت لها في الدستور وكان هدفك الأساسي أن النيابة العامة هي الأصل وهنالك الاستثناء فهذا يعتبر خلطاً، وبالتالي فمن وجهة نظري أن يرجع الأمر إلى الأصل، والأصل هو النيابة العامة التي تمثل في إقامة الدعوى الجزائية.
مصير المدعين العامين
• وقال العبدالله موجهاً سؤاله إلى
د. الدوسري: هناك جزء مستحق للنقاش في هذه المسألة، ودعني أقول الشيء الذي أشعر به وأعرفه، إن الاعتراض اليوم الخاص بضم الإدارة العامة للتحقيقات هو اعتراض قضائي، واعتراض القضاء اليوم يتمثل في أنه إلى أين سوف نذهب بالمدعين العامين؟ في السابق أين نذهب بالمحققات؟ ثم بعد ذلك جاءت وكيلات نيابة، ثم اليوم، وهي المشكلة الأكبر، أنه أين نذهب بالمحققين الذين جاءوا عن طريق وزارة الداخلية الذين كانوا عسكريين، ومن ثم أصبحوا محققين؟ وبالتالي يستحيل أن ينخرطوا في القضاء.
وهذه المشاكل لنناقشها بشكل صريح وواضح، اليوم أين أذهب بالمدعين العامين؟ وكيف أساويهم؟ فعندما أساويهم سأساويهم بالمحامين العامين، واليوم أنا لدي محامون عامون تقريباً ستة أو سبعة، فاليوم عندما أضم المدعين العامين، أين أذهب بهم؟ ونفس الشيء المحققات سابقاً. أما اليوم، وكيلات النيابة. المشكلة الثالثة هي العسكريون، فمازالت الإدارة العامة للتحقيقات تقبل العسكريين كمحققين، وبالتالي هؤلاء أين سأذهب بهم عندما يدخلون النيابة؟ فالنيابة هي بوابة القضاء، وبالتالي حين أدخل عسكرياً إلى القضاء، ففي المستقبل سيسبب لي مشكلة، فبيئته ودخوله وتدريبه وتركيبته تختلف عن عنصر القضاء. هذه المشاكل التي يشعر بها القضاء، والتي يتوجب على مصدري القرار البحث فيها، فدعونا نناقشها.
التصرف والتحقيق
ورد الدوسري: اليوم نحن نسأل سؤالاً: هل الأسباب التي كانت أثناء نقاش هذا الموضوع، المجلس التأسيسي، وحالت دون أن تأخذ النيابة العامة الجنايات والجنح، هل مازالت موجودة اليوم أم انتهت؟ إذا انتهت هذه الأسباب إذن ليس هناك داعٍ للاستثناء، وهذا منطقي.
تفضل المستشار وجاء على ذكر التوحيد، اليوم إذا رجعنا إلى طريقة العمل في النيابة العامة بمسألة التحقيق، فوكيل النيابة يملك التحقيق والتصرف في القضية، بينما في الإدارة العامة للتحقيقات المحقق يملك التحقيق فقط، ولا يحق له التصرف، فالتصرف عند جهة أخرى في الإدارة، وهي الادعاء العام، بالتالي يعطيك نظامين وقانوني، وهذا لا يمنع، لكني أتكلم من الناحية العملية، فأنت أمام نظامين، والقضية من ثم تذهب إلى جهة قضائية واحدة.
وهناك إشكالية بالداخل تحدث الآن في الادعاء، وهذا يمكن أن يكون أحد أسباب التأخير في القضايا، وهي أن الادعاء ينظرها ويدرسها، وتبقى لديه مدة من الزمن، ومن ثم يعود ويرسلها إلى الاستيفاء، فتؤدي هذه العملية إلى التأخير، ومن ثم يكتشف بعد ذلك أن القضية تشكل جناية، ويرجع ويحيل الملف كاملاً إلى جهة الاختصاص، وهي النيابة، مما يسبب مشكلة إدارية، فبالتالي كل هذه الأمور تؤثر.
وقد ذكر القواسم المشتركة بشكل رائع، وهذا يبرر أنه لا يوجد أي اختلاف، والأسباب التي كانت في عام 1962 لم تعد موجودة، ولو رجعنا إلى التاريخ فيمكن أن يكون السبب في ذلك بعد وجود النظامين. أعتقد أنه في السابق لم يكن هناك العدد هذا من القانونيين الذين يقومون بعملية التحقيق. كان رئيس التحقيق قانونياً، لكن المحقق كان في غالبية الأمر إما من العساكر أو من المدنيين أصحاب خط جميل ومهندم ولديهم بعض الثقافة، يضعونه ليحقق، ثم بعد ذلك يقوم رئيس التحقيق بالتدقيق في الملف ويراجعه أو يستكمله، ويرفع إلى الادعاء العام هذه الأسباب التاريخية أعتقد أنها اليوم تحتاج إلى المراجعة.
بيئة الشك
أما عن مسألة الأشخاص، كالمدعين العامين والمحققين والعساكر وغيرهم، أين أذهب بهم؟ وقد ذكرت كلمة يستحيل بالنسبة للعسكري. أنا لا أعتقد أن كلمة يستحيل هذه صحيحة، لأنه بمقارنتي للوضع مع دول الخليج في الإمارات والبحرين حين انتقلوا انتقل العساكر، لست بمتأكد، لكن النائب العام بالبحرين كان في يوم من الأيام ضابط شرطة، والفرق بين ضابط الشرطة عن ضابط التحقيق أن ضابط المباحث يوجهه في البحث الشك، مجرد الشك يثير لديه مسألة البحث الجنائي، بينما التحقيق يختلف، لذلك لدينا إحدى المشاكل، هي وجود التحقيق في المخافر، وتلك وجهة نظري، وأنا أقولها بتجرد خاطئة، لأنك قمت بجمع كل العناصر في ضابط المباحث الذي يثيره الشك، وضابط المخفر الذي يثيره مجرد الشك، ووضعت المحقق بينهما، فمن الطبيعي أن يتأثر بهذه البيئة، وقامت وزارة الداخلية في فترة من الفترات عام 2009 ونقلت المحققين إلى مبانٍ مستقلة، مثل النيابات، كان العائق فيها حوادث السير.
وفي حوادث السير نسجل بالشهر تقريباً 5 آلاف حادث، وكانوا يذهبون هناك بما فيه مشقة على الجمهور، لذلك فقد ردوا مرة ثانية إلى المخافر، والآن في عام 2023 أصبحت حوادث السير البسيطة التي لم تسجل إصابات أو خسائر بالأرواح يحقق فيها ضابط المخفر، وبالتالي تم القضاء على مشكلة التحقيق مع أصحاب الحادث، حيث يتم إخراجهم من دائرة التحقيقات والمخفر.
النيابة العامة يقضي فيها وكيل النيابة 5 سنوات على الأقل، ثم يذهب إلى المحكمة، أو يظل بالنيابة، هل لا يوجد بالمدعين العامين بعد هذه الخبرة في مجال التحقيقات بالجنح من يجلس على منصة القضاء في الجنح ويفصل فيها، ويتم انتقاؤه بعد نشر إعلان عن الحاجة إلى هذه المناصب؟ ألا يعد هذا مخرجاً؟
تشدد قضائي
• وقال العبدالله: المستشار خريبط أنت كنت داخل القضاء، وبالتالي تتأثر بما يطرح من أفكار، وقد تكون محل نقاش واقتناع، وهو أن هذا المشروع الذي تفضل به د. فهد نوقش على مدى سنوات طويلة، وآخرها عام 2012 عندما صدر قانون أخير بضم الإدارة العامة للتحقيقات، وأعاده صاحب السمو في المرة الأخيرة، بعد المداولتين الأولى والثانية، فاليوم هل تجد أن هناك تشدداً قضائياً بفكرة قبول ضم الإدارة العامة للتحقيقات وتوحيد الدعوى العمومية؟ وأن كل المبررات التي أشرنا إليها من المدعين العامين أو المحققين العسكريين، أننا ننظر للأشخاص، ألا توجد مجموعة من الأفكار التي تستطيع أن تعالج مثل هذه القضية، التي كلما تأخرنا في معالجتها تزداد توسعاً في ثوب الإدارة العامة للتحقيقات؟ وأعتقد أنه من الحكمة أن نعالجها ونتعامل مع المنظومة بطريقة تتوافق مع أحكام الدستور.
وأجاب المستشار خريبط: لا أعتقد أن رجال القضاء أو آلية العمل بمجلس القضاء أو لدى المستشارين أن لهم فكرة متطرفة عن موضوع المحققين، أو التشدد في قبول الضم، لكن الفكرة العامة إلى متى ننظر للأشخاص دون النظر للفكرة نفسها؟ وأن النيابة العامة هي الممثل، ولماذا أقسم وأفرق بين القضاء والنيابة العامة؟ وبالتالي رؤيتهم هم مثل رؤيتي أنا وهو، النظر للفكرة وليس للشخص، وهو لا يعني عدم قبول المدعين العامين أو بعض المحققين بالنيابة العامة، وهذا شيء مفروغ منه.
عندنا بعض القضاة من جمهورية مصر العربية بعضهم كانوا ضباطاً، كانوا عسكريين، وأصبحوا قضاة، وتم انتدابهم والتعاقد معهم في الكويت، فمن حيث الفكرة لا يوجد اعتراض أن يكون المدعون العامون عسكريين، فلماذا لا يتم إجراء اختبارات، بصرف النظر عن شراسة وزارة الداخلية أو تصرفاتهم؟ هذه طبيعة العمل، فالقاضي يسعى خلف العدل، في كل مجال، أما الضابط فيسعود خلف الانضباط، فلكل عمل طبيعته ووظيفته، وبالتالي لا يوجد ما يمنع أن يتقدموا للوظيفة ويُجرى لهم اختبار، ويتأهلون للعمل القضائي من خلال دورات تدريبية، حيث أتحدث عن فكرة الجناية والجنحة، وأن يكون الاختصاص فيها للنيابة العامة، هذا جزء من حل مشكلة.
الحلول والواقع
• وقال العبدالله: الواقع أن النيابة والقضاء خلال السنوات السابقة يرون أن عندنا مشكلة العسكريين، والمدعين، هل اليوم تعتقد أنها ستسبب عائقاً، أم أنه بالإمكان حلها؟
وأجاب المستشار خريبط: لا يوجد أي طرح لمشكلة ما ليس فيها حلول، لكن الحلول ستصدم بالواقع، ومنها مثلاً كم عدد المدعين العامين في وزارة الداخلية؟ قد يكونون بحدود 300 مدع عام، والمحققون بحدود 1000 من الذكور والإناث والعسكريين، وهؤلاء يعيشون واقعاً تصادمياً مع القضاء في موضوع الترقيات، وهي مشكلة تتطلب علاجاً، كما أن العميد واللواء ينزل إلى منصب وكيل نيابة، وهذا جزء من عائق، حيث يجب أن يتم حساب الأقدمية. إذن المشكلة من طرف القضاء، لكن الواقع التصادمي معهم، وهي ليست مشكلة قانونية، بل مواءمة واقعية، لذلك فإن مجلس الأمة ليس مهمته فقط تشريع قانون، لكن أيضاً يعيش الواقع.
إنشاء نيابة للجنح
• وسأل العبدالله: د. فهد هل إنشاء نيابة للجنح هو الحل الأمثل لعلاج المشكلة أم يمكن العمل بالمقترح القديم الذي طرحه المرحوم المستشار حامد العثمان النائب العام السابق، بأن تنشأ هيئة عامة للتحقيقات تحت إشراف النائب العام؟ وما تعقيبك على موضوع المدعين العامين؟
وأجاب د. الدوسري: بالنسبة للمدعين العامين، فهذه خبرات يجب الاستفادة منها، خصوصاً أن عدد الجنح كبير، وتأخذ وقتاً طويلاً في التقاضي، حتى إن بعض قضايا الاستئناف في الجنح تستغرق في التقاضي حتى عام 2026 بحكم تراكم الملفات وزيادة عددها، ولأن هذا العدد الكبير من الخبرات هو آخر درجة في السلم الوظيفي. أما في عام 2011، فإن الرد الذي وافق عليه مجلس الأمة لتحويل الإدارة العامة للتحقيقات تم رده، بسبب أن مجلس القضاء هو من يتدخل في اختيار الأعضاء وقواعد الاختيار للتحقيقات، والتي تختلف عن اختيار النيابة. نعم يمكن وضع اختبارات أنتقي من خلالها ما نحتاجه، كما يمكن إنشاء هيئة، وللأسف تم تقديمه إلى المجلس الماضي، ولم يتم إقراره، وهو تغيير مسمى الإدارة العامة للتحقيقات الحالي إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، لأن المسمى تسبب في مشكلات من الناحية الإدارية، وفي الهيكل التنظيمي، لأن وظيفته تختلف تماماً، وبالتالي بدلاً من الرسوب الوظيفي بأن يبقى 15 عاماً على نفس الدرجة وهذا أحد المثبطات، حيث إن الناحية الإدارية تترك أثراً نفسياً.
• وقال العبدالله: قانون هيئة أسواق المال حينما قاموا بإلغاء الموظفين من سوق الكويت للأوراق المالية، أعطوا فترة انتقالية لموظفي السوق، حتى ينضموا إلى هيئة سوق المال، وأعطوهم امتيازات، لذلك فإن فكرة المحققين ممكن أن تجعل متخذي القرار بأن يبقيه ويستفيد منه، أو أن يعطيه نظاماً تقاعدياً، وهو ما يعكس أن لدينا تجارب في هذا المجال.
وأجاب الدوسري: محكمة المرور أو المخالفات المرورية هذه جهة يمكن أن تستوعب هذا العدد الكبير بنفس الوقت والميزات، وفي الشرطة المجتمعية أيضاً يمكن أن أستفيد منهم، لأنها المنوط بها تحويل القضايا بعد إصدار قانون الأسرة والطفل، حيث إن الشرطة المجتمعية تقوم بالتحقيق في القضية، ثم بعد ذلك هي من تقوم بتقديم البلاغ، وبالتالي عندي أكثر من مجال، منها الإدارة العامة للشؤون القانونية في وزارة الداخلية، حتى إذا كان من ناحية العسكريين، فهناك مؤسسات كثيرة تتعامل في القضاء العسكري. أما الوضع الحالي، فهناك سؤال: هل الأسباب التي دعت إلى أن يسند للشرطة التحقيق في قضايا الجنح، هل الأسباب التي ذكرها من وضع الدستور في تلك الفترة، هل ما زالت موجودة أم انتهت؟
المشكلة في الإرث التاريخي |
قال د. الدوسري إن «الإدارة العامة للتحقيقات لا تعاني فوضى، وإنما المشكلة في هذا الإرث التاريخي، وهو نتيجة ما تعيشه الإدارة اليوم من تقسيم الدعوى الجزائية، وبدايتها لم يكونوا كلهم محققين قانونيين، وهو ما يعود إلى الثمانينيات تقريباً، فكان نظام التحقيقات في الجنايات ما يسمى بالتحقيق الابتدائي في الجنايات والجنح، ومن يقوم به هو ضابط المخفر، وهو تراكم إداري ومحاولات جادة، لكن اليوم الحل هو نقل مكاتب التحقيق من المخافر، ثم يتم إدخال التحقيق الآلي الإلكتروني، إضافة إلى تفعيل دور التفتيش. للأسف في التحقيق الإلكتروني تقدمت شركة واحدة فقط، نتيجة الروتين والمناقصات، فمشكلتنا ليست الفساد، لكن التأخير والتراكم، بسبب البيروقراطية». |
محاذير خلق استثناء خاص بالجناية والجنح |
ذكر المستشار فيصل خريبط أنه لا يستطيع «خلق استثناء خاص بالجناية والجنح، وهو ما قد يفتح باباً غداً إلى تقسيم الجنايات إلى 3 أمور، كالقتل العمد والخطأ وشبه الخطأ. من وجهة نظري، النيابة العامة هي الممثل الحقيقي للمجتمع في إقامة الدعوى الجنائية والجنحة، والحلول التي تخلق مشكلات بعد 20 عاماً لا تحتاج أن نغير المبدأ، وهو الذي تسعى له كل الدول، ففي بريطانيا مثلاً تعرضت لدفع مخالفة 30 باوند عن طريق وزارة الداخلية، وليس العدل، وبالتالي هذا حق أصيل لهم، حتى يتم التحقيق في صحة الادعاء، لكن توزيع الاختصاصات بين النيابة لن يجدي».
وتابع خريبط: «أما في موضوع المدعي العام والمحققين، فليس عندي مانع أن يقبلوا في النيابة العامة تحت جزء من الاختبار والتأهيل لهم، حتى يتكيفوا مع وضع العدالة، وبالتالي نستفيد من خبرتهم، بدلاً ممن يحتاج لسنوات من التأهيل، وبالتالي حل القضايا التراكمية المؤجلة خلال ربما عام فقط». |
ضم الجنح إلى النيابة العامة |
أفاد المستشار خريبط بأن النيابة العامة «بدأت في التحقيق الإلكتروني، كما أنني مع ضم الجنح إلى النيابة العامة، وهذا حق أصيل لها، لكن هذا لا يمنع أن يتقدم المدعون العموميون والمحققون بالنيابة العامة، والتي تقوم بدورها عن طريق المجلس العام للقضاء لتشكل لجنة يرأسها أعضاء من النيابة العامة، ويكون فيها أكثر من قاضٍ ووكيل نيابة، ويبدأون المسائل التفصيلية في شخصيته أو سلوكياته، وتتخذ القرار بقبوله من عدمه. وبالنسبة للمدنيين يتقدم الكثيرون، ويقبل منهم القليل، ونفس الشيء بالنسبة لغير المدنيين، ويحتاج الموضوع إلى فترة انتقالية، وأتقدم بالشكر على الاستضافة، وإعطاء الفرصة لإبداء الرأي». |