في الصميم: إذا كانت ثروة الكويت لم تصنع تقدما فمن الذي سيصنعه؟
إذا كانت كل ثروات الكويت الطائلة من النفط والغاز لم تصنع لها تقدما، فمن الذي سيصنعه؟ ومتى؟ فالنفط سلعة ناضبة، والوقت يداهمنا، والتطور العالمي السريع ليس في مصلحتنا، وليس هناك بدائل إلا القليل، وليس عند الكويت حاليا ما تفخر به على جيرانها غير حرية الهرج والمرج السياسي، بلا حريات اجتماعية، ولا إنجازات يعتد بها.
عناوين كبيرة وعديدة، وتحذيرات لخبراء واقتصاديين محليين وعالميين تصف حالة الجمود والفشل الاقتصادي والسياسي الكويتي، فوحدة «إيكونوميست» توقعت في تحليل لها أن الكويت ستكون هي الأضعف خليجياً في نموها الاقتصادي لسنة 2023، ذاكرة أن شلل الكويت سببه البيروقراطية والتسييس في كل شيء، وهو الذي أفضى إلى فشل تحديث بنيتها التنموية والاجتماعية، فالكويت متخلفة خليجياً في جودة بنيتها التحتية وتنوعها اقتصادياً أكثر من أي وقت مضى، مضيفة بأن جميع التحسينات على النقل والمرافق ومشاريع التنمية الرئيسة أجهضت بسبب ذلك التسييس.
أما وكالة «بلومبيرغ» فذكرت في تقرير مفصل وصادم ومحزن تحت عنوان «لا يمكن لأموال النفط الطائلة شراء التقدم للكويت، فثروة الكويت الطائلة لم تصنع تقدماً»، فهي تأخرت في عدة مجالات مهمة لأنها ركزت على قضايا ثانوية بدلاً من التركيز على الاقتصاد والتنمية، على عكس دول الخليج المجاورة في هذين المجالين تحديدا، فهي استخدمت ثرواتها الطائلة من النفط والغاز لإحداث تغييرات اقتصادية جذرية، وهناك قلق حقيقي من تراجع الكويت إلى الوراء في عدة مجالات، فالكويت حرفيا تعاني أزمات ذات أولوية مثل ضعف التعليم، وضعف القطاع الطبي، ومن غياب التنمية.
التقرير ذكر بأن الخبراء والناشطين الكويتيين ألقوا باللوم على السياسيين الذين همهم مصالحهم الخاصة، وأن مشكلة الكويت ليست مالية، بل على العكس، إذ تشكل الكويت موطناً لواحد من أغنى صناديق الثروة السيادية عالمياً، وأنها واحدة من أقل الدول مديونية في العالم، وأنها تمتلك نظاما مصرفيا قويا تاريخيا، وبسيولة وفيرة.
وكالة «بلومبيرغ» ذكرت بأن الدول الخليجية ضخت مليارات الدولارات لتطوير قطاعات غير نفطية، وأقرت قوانين لجذب الاستثمارات الأجنبية، أما الكويت فتراجعت بتركيزها على إجراءات حمائية، وابتعدت عن الإصلاحات لتنويع الاقتصاد ولم يتجاوز طموحها «كويت 2035» الذي يبدو أنه مجرد إعلان، فالكويت الأكثر ديموقراطية في الخليج أصبحت الأقل تقدماً.
نقول: إنه بالتأكيد وضع محزن وشاذ لضياع تلك الثروات بتبذيرها أو نهبها، وما ذكرته وتذكره التقارير الكويتية والأجنبية الكثيرة عن الكويت ليس بجديد، وهو معروف للجميع، فالكثير منها وضع أصابعه على مكامن القصور والتقصير والمعوقات كلها، لكننا نعود ونقول: إن العُقَد والتأخير والعرقلة سببهما جهتان لا ثالث لهما، وهما وراء كل هذا الهمود والركود والنكوص والتراجع في كل شيء، في التنمية والتعليم والتطبيب والفساد والتزوير.
إنهما الحكومة ومجلس الأمة، إنهما العقدتان، فلا الحكومة قادرة على إدارة البلاد بكفاءة وحنكة ومواكبة التطور العقلي والتكنولوجي الهائل الذي عصف بكل قديم وجامد، ولا المجلس مهني راق يمثل الأمة التمثيل الصحيح، فمكوناته في معظمها ليست ديموقراطية إطلاقا، مكوناته طائفية أو قبلية أو حزبية دينية، معظمهم امتطوا ظهر المجالس لمصالحهم الخاصة والبحتة، وبعضهم قبيضة يعرضون أنفسهم للبيع.
صراع مرير على مقدّرات البلد، كل يريد أن يفرض أجندته على الشعب الكويت المغلوب على أمره، يقابله عجز حكومي واضح لا تخطئه العين، فلا أحد يتكلم جديا عن السرقات والاختلاسات والتزوير والتنمية، ما يهم هذه الشلل الفاشلة المفشلة هو أن تستفيد ويستفيد ناخبوها، فمعظمها أمنّ مستقبله ومستقبل عائلته من تلك المجالس.
نعم الكويت لن تعود كما كانت إطلاقا ما لم يتم التخلص من كل المعوقات، ومنها كل المجالس المنتخبة بلا استثناء بما فيها النوادي الرياضية والجمعيات التعاونية، فما نفع البلد من انتخابات ملوثة، فهي لم تعد كما كانت، لقد أصبحت أدوات لفساد مستشر، فالاختلاسات تجري فيها يوميا على قدم وساق.
مشكلة الكويت فعلا مستعصية، فمعظم من يهيمن على المناصب القيادية ليسوا بقياديين ولا يملكون الحد الأدنى من العلم والمعرفة والخبرة والنزاهة حتى يسيّروا أمور البلد، ومعظمهم تمت ترقيتهم بالواسطة، أو تم إنزالهم ببراشوتات على مناصب مجهولة عليهم، وعلى من سلمت مقاديرهم إليهم، وطبعا الملوم هنا هي الحكومة فهي من ترقّي أو توافق على الترقية، وهي التي تنصاع لطلبات بل أوامر «نوائب» أمة هي السبب الأول في وصولهم الى كراسي التشريع.
الإشكالية هنا تكمن في أن التخلص من تلك المعوقات صعب جداً، ويكاد يكون مستحيلا ما لم يتخذ القرار الجراحي من الأعلى ومن جانب واحد، يتبعه إصلاح إداري يبدأ من الأعلى، ويمتد حتى جذور الجسم الوظيفي، متزامنا مع رقابة لصيقة وصارمة لوضع الكويت بكاملها على سكة التنمية الحقيقية بعيدا عن الساسة ومدّعيها.
فلا أحد يطلب المستحيل، ولا تقليد الآخرين، المطلوب أن تعود الكويت كما تعودنا عليها إبان، شبابنا، واحة حريات شخصية، ومنارة ثقافية وإعلامية وفنية ورياضية وترفيهية، نريد الكويت أن تعود كما عهدناها بلد المبادرات التنموية والمشاريع الناجحة، نريد أن تعود النهضة العلمية والتعليمية إلى سابق عهدها، نحن نريد العودة إلى ما كنا عليه و«بس»، فهل هذا مطلب عسير؟
حفظ الله الكويت وشعبها وأسرة حكمها من كل مكروه، وضرب على يد كل من كان سببا لهذا النكوص المؤلم.