العالم يتأهب للركود الاقتصادي... والكويت «عمك أصمخ»!
• كأنها جزيرة معزولة عن العالم لم تسمع بتداعيات التشديد النقدي والتضخم و«مخاوف النفط»
• «صدمة» الرواتب الاستثنائية تثبّط أي محاولة لمواجهة مقترحات مثل شراء القروض
بينما تنشغل دول العالم منذ أشهر بتبنّي سياسات دفاعية لتفادي دخول مرحلة الركود الاقتصادي بكل ما يرتبط بها من تراجُع للنمو وتدنٍّ لحجم الأعمال وارتفاع البطالة والتضخم وتجدُّد مصاعب التمويل، مع تصاعد سياسات التشديد النقدي وانخفاض الطلب على السلع الأولية، وأبرزها النفط، تبدو الكويت كأنها جزيرة معزولة عن العالم لم تسمع بذلك كله، إذ لا هَمّ لحكومتها وبرلمانها سوى التسابق أحياناً والتصادم أحياناً أخرى في تقديم المشاريع الشعبوية ذات الكلفة المالية العالية على الخزينة العامة للدولة.
فأي متابع، ولو لنشرات الأخبار الاقتصادية، يعلم أنه لا حديث اقتصادياً في العالم إلا عن السياسات المتشددة للبنوك المركزية العالمية وتداعيات رفع أسعار الفائدة على الاقتصاد الكلي أو أسعار الأصول لحسم معركة غير قصيرة المدى، على ما يبدو، مع التضخم تستمر فيها البنوك المركزية بسياساتها المتشددة تجاه أسعار الفائدة حتى مع التكاليف الاقتصادية غير المحبّذة التي يمكن أن يسبّبها الركود.
أكبر شركات وبنوك العالم تستعد لتسريح شريحة لافتة من موظفيها للتكيّف مع تحديات تراجع الطلب ومصاعب التمويل
إذ يرى صندوق النقد الدولي أن «النمو الاقتصادي لأكبر 3 اقتصاديات في العالم، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، يتباطأ فيها جميعاً في وقت واحد»، متوقعاً أن «يكون ثلث الاقتصاد العالمي في حالة ركود، وحتى الدول التي لن تعيش اقتصاداتها نفس الوضع ستشعر كأنها في حالة ركود».
تسريح وتراجُع
ومع توقّعات باستمرار ضغوط التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة، فضلاً عن تداعيات الحرب في أوكرانيا، تتنامى حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي التي دفعت أكبر شركات وبنوك العالم، مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي ودويتشه بنك وأمازون وميتا وإتش آند إم وديزني، وغيرها، لتسريح شريحة لافتة من موظفيها للتكيّف مع تحديات تراجُع الطلب وصعوبة التمويل، مما يشير إلى آفاق قاتمة خلال الفترة القادمة... فسوق العمل في الولايات المتحدة أعطى مؤشرات سلبية خلال العام الماضي أفضت إلى توقّعات غير مبشرة تتمثل في تراجُع معدل الوظائف الجديدة من 600 ألف وظيفة جديدة شهرياً مع بداية عام 2022 إلى 250 ألفاً في نهايته، مع توقّع إضافة 100 ألف جديدة فقط كمعدّل شهري للوظائف خلال الأشهر القادمة.
ضغط على الأصول
وحتى أسعار الأصول في العالم تواجه مخاوف الركود العالمي، إذ يعتقد بنك مورغان ستانلي أن أسواق الأسهم الأميركية - التي تعتبر مؤشرات مرجعية لمعظم أسواق العالم - قد تنخفض بحوالي 22 في المئة من المستويات الحالية، ويرى بنك أوف أميركا أن الهبوط قد يصل إلى 30 في المئة، وهي توقّعات لا تنفصل عن تحقيق أسواق الأسهم الأميركية أسوأ أداء لها عام 2022 منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
إذا حدث الركود فلن نتمكن من استخدام أسعار النفط لتسكين أوجاع الاقتصاد
... والنفط أيضاً
كذلك تقف أسعار النفط على الجانب الآخر من قلق تراجع أسعار الأصول، فقد أغلق خام برنت نهاية عام 2022 عند مستوى 85.91 دولاراً، في حين كان متوسط سعره خلال عام 101 دولار للبرميل، في حين أغلق خام غرب تكساس عند 80.26 دولاراً مقابل متوسط سعر سنوي 94.5 دولاراً، إذ ظل مدعوماً خلال فترة طويلة من العام بالتداعيات الجيوسياسية للحرب الروسية - الأوكرانية، إلى جانب اتفاق منتجي «أوبك بلس» على خفض الإنتاج النفط، وهما عاملان قصيرا المدى، ويواجههما عاملان سلبيان آخران على الطلب ربما مداهما أطول، هما استمرار تشدّد البنوك المركزية في سياساتها النقدية المتضمنة ارتفاع أسعار الفائدة، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم.
تسابُق شعبوي
وفي الحقيقة، فإن الحديث عن مخاوف الركود لا ينتهي، ويكاد يكون حديث الاقتصاد العالمي كله إلا في الكويت ف «عمّك أصمخ»، إذ تتسابق الحكومة مع البرلمان في تقديم أسوأ نماذج التعامل مع أيّ مخاطر مالية أو اقتصادية مهما كانت احتمالات وقوعها جديّة.
في الفترة الماضية تسابقت الحكومة مع البرلمان في تقديم أسوأ نماذج التعامل مع أيّ مخاطر مالية أو اقتصادية
ففي وقت أنفقت الحكومة من الميزانية العامة للدولة فعلياً خلال أقل من عامين حوالي 3 مليارات دينار، من دون أي عائد مستدام على تأجيل استحقاقات أقساط القروض خلال جائحة كورونا، إلى جانب مكافآت الصفوف الأمامية وبيع الإجازات ومنحة المتقاعدين، فضلاً عن «صدمة» صرف رواتب استثنائية تبلغ قيمتها 3.6 مليارات دينار خلال 10 سنوات، جزء منها لقياديين، لا يُعرف على وجه التحديد ما هي إنجازاتهم، بل ويثبّط أي محاولة منها لمواجهة المقترحات النيابية الشعبوية، في حين نجد أن اقتراحات أعضاء مجلس الأمة ذات الطابع الشعبوي بلغت قيمتها 30 مليار دينار، واحد منها - شراء القروض - أدى إلى أزمة سياسية خلال الأسبوع الجاري، إذ تبلغ قيمته وحده حوالي 23 ملياراً!
دروس وتسكين
وفي الحقيقة، فإنّ الإدارة التي لم تستوعب طوال السنوات الماضية دروس سلبيات العجز أو مزايا الفوائض، ولم تلتفت خلال سنوات إلى تضخّم الميزانيات مع تراجع الخدمات وتعمّق محدودية الاقتصاد، وتركّز أحاديّته ووضوح اختلالاته يصعب أن تستوعب المخاطر التي يمكن أن تتأثر بها مالياً واقتصادياً إذا ظل شبح الركود مخيّماً على الاقتصاد العالمي، خصوصاً إذا أصاب الركود أو جانب منه الطلب على النفط الذي دائماً ما نستخدم ارتفاع أسعاره لتسكين أوجاع الاقتصاد فترة وتعميق أمراضه فترات.