رحل رئيس مجلس النواب اللبناني السابق، حسين الحسيني، اليوم، مُحتفظاً بأسراره، وهي أسرار البلاد، فقد أغمض عينيه متأبطاً ذكريات عن حقب كثيرة قبل الحرب وبعدها، وفي مرحلة الإعداد للسِّلم.

هو رجل اتفاق الطائف، وصاحب أسرار محاضره ومشاوراته، والشاهد على حوارات الداخل والخارج، والمساعي العربية، لا سيما اللجنة السداسية، ومن ثم «الثلاثية» لوقف الحرب الأهلية اللبنانية.

Ad

محطات متعددة ومنعطفات متوالية في السياسة اللبنانية انطبعت بها مسيرته منذ ترؤسه لحركة أمل بعد تغييب الإمام موسى الصدر، إلى ترؤسه المجلس النيابي. فكان أحد أبرز صانعي السلم اللبناني بين عامي 1989 و1992.

3 سنوات حفلت بتغيّرات كثيرة، دخل لبنان إلى حقبة السلام وإلى حقبة من التحولات السياسية الداخلية على وقع الوصاية السورية. ورفض الحسيني طوال حياته الكشف عن أسرار ومحاضر اتفاق الطائف، ولطالما كان يقول: «نشرها يكاد يتسبب في حرب أهلية ثانية». وفي عام 1992 تخلّى عن رئاسة المجلس النيابي، أما في 2008 قدّم استقالته من العمل البرلماني احتجاجاً على آلية السلطة في مقاربة الاستحقاقات السياسية والدستورية، وهو الذي وُصف طوال حياته بأنه حارس الدستور، وآخر الرجالات اللبنانية من قماشة الترفّع عن الضغائن والكيد السياسي. فقد حافظ على التوازن في مواقفه السياسية، ولم ينخرط في جبهة أو انقسام، وعمل بما يقول «الكتاب»، استناداً إلى التعبير الذي كان يستخدمه الرئيس الراحل فؤاد شهاب بوصفه للدستور اللبناني.

ويرحل الحسيني ولبنان في أكبر أزماته الوجودية وأخطرها، وكأنه يرفض البقاء متألماً للانهيارات السياسية والدستورية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتنذر بتغيير جذري سيطرأ عليها. وكأنه يرفض أن يكون شاهداً على إعلان لبنان دولة فاشلة أو مارقة، تتناوشها صراعات المصالح الضيقة سياسياً ومالياً، وسوقاً مفتوحاً للفوضى المالية وتبييض الأموال. وقد أعلن لبنان الحداد 3 أيام على وفاته، فنُكّست الأعلام، وأجّلت جلسة المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية.

وتوالت المواقف التي نعت الحسيني، فخليفته رئيس مجلس النواب نبيه بري قال: «باسم الشعب اللبناني أنعى الى اللبنانيين كبيراً من كبار لبنان، وقامة وطنية من قاماته التي ما بدلت تبديلاً، نذرت جُلّ حياتها دفاعاً عن الوطن وعن إنسانه ووحدة ترابه وهويته الوطنية والقومية، جهاداً متواصلاً بالقول والعمل والكلمة الفصل الطيبة. عنيت به رفيق الدرب دولة رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، الذي نفقد برحيله وارتحاله الى جوار ربه، ويفقد لبنان قيمة إنسانية وتشريعية ونضالية لا تعوّض».

من جانبه، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن «لبنان فقد قامة وطنية ودستورية أصيلة، هو دولة الرئيس حسين الحسيني وبغيابه تطوى صفحة مشرقة من تاريخ العمل السياسي والبرلماني العريق».