بقايا خيال: الكويتي الكسلان والمرض الهولندي
الوافدون موجودون في كل دول العالم، فلا توجد قرية على الكرة الأرضية إلا سكنها وافدون بحثاً عن الرزق، تماماً كما كانت ومازالت الكويت ملاذاً آمناً استوطن فيها مهاجرون من الجزيرة العربية والعراق وإيران والشام وغيرها، فمنهم من استقر وصار كويتياً، ومنهم من عاد إلى بلاده، والكويتيون في بلادهم كانوا يعملون كل المهن الحرفية، فمنهم النجار والحداد والصفار والمزارع وغيرها من أعمال ورثوها عن آبائهم، فالتصقت هذه المسميات بألقابهم العائلية، ولم يمتهنوا هذه الأعمال إلا لظروف اقتصادية كانت سائدة قبل النفط، حينها كان الكويتيون الأغنياء يعتمدون على الحرفيين الكويتيين وقلة من الوافدين، ولما أفاء الله على جميع الكويتيين بالثروة النفطية اعتمدوا على الوافدين بطريقة تشوهت بسببها سمعة الكويتي وكأنه كسول لا يعمل.
وهذا يؤكد أن الفقر والحالة المادية المتواضعة للسواد الأعظم من الكويتيين في تلك الفترة جعلاهم حرفيين معتمدين على قدراتهم الذاتية بدلاً من الوافدين، فصاروا خبراء في مجالات حرفية عدة ومنها صناعة السفن الخشبية، ومع مرور السنوات التي رافقت ظهور النفط تغير الوضع 180 درجة، كسمة من سمات المجتمعات الإنسانية التي تلتصق بسلوك الإنسان أينما وجد وفي أي مجتمع ولد، وليست قاصرة على الكويت فقط، فالمجتمع الهولندي خير مثال على ما نقول، ولهذا أطلق العالم على الوضع الاقتصادي في هولندا «المرض الهولندي»، أو (Dutch Disease)، كنموذج لما مرت به دول كثيرة.
وخلال 18 سنة من اكتشاف النفط والغاز في هولندا عام 1959 عم الرخاء وعرف الهولنديون الكسل والبطالة والاعتماد على الآخرين، رغم حبهم للعمل، ترافق معه انخفاض في الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، كل هذا بسبب النفط، ولهذا أطلق عليه آخرون وصف «لعنة الموارد» أو (Resource Curse) لأنه كان يفترض أن يسهم النفط والغاز في نمو الاقتصاد لا تراجعه، وهو بالضبط ما حصل في الكويت، إلا أن الفرق يكمن في كيفية معالجة المشكلة وتقليص مدتها وآثارها المدمرة، ففي حين استغرق تلافي المشكلة الهولندية 18 سنة لاستعادة الوضع الطبيعي، استمر غياب الوعي الاقتصادي عن الكويت التي اعتمدت كلياً على النفط أكثر من 76 سنة حتى اليوم، وما زال العرض مستمراً إلى ما لا نهاية.
وفي الوقت الذي ينادي بعض الناس بطرد الوافدين وكأن الكويت كانت خالية من الوافدين قبل ظهور النفط، لا نسمع من بعضهم الآخر المطالبة بالإبقاء على الوافدين فحسب، إنما بتجنيسهم أيضاً، وكأن الوضع الاقتصادي الحالي لدولة الكويت قادر على احتضان الوافدين الذين يفوقون الكويتيين بضعفي عددهم، رغم أن الاقتصاد الكويتي يعاني أصلاً اختلالات هيكلية شديدة الخطورة، قد تجعله عاجزاَ عن أن يستظل بهذه الحالة المالية اليوم، ولا أتحدث عن كويتيي المستقبل، وإزاء هذه الأوضاع الاقتصادية والديموغرافية المعقدة وقفت الحكومات الكويتية المتعاقبة وكأنها مشلولة وعاجزة عن أن تحاسب المتسببين في زعزعة الاقتصاد الوطني، ومنهم المتنفذون من تجار الإقامات الذين ملأوا البلد بعمالة هامشية لا فائدة منها، ولم تحاسب مسؤولين في الدولة كانوا السبب في وصول عدد المزورين بالجنسية الكويتية إلى مئات الآلاف، هذا عدا المجنسين زوراً وبهتاناً بسبب قوانين شرعت في غفلة من الكويتيين المخلصين، ولا أوجدت حلاً لمشكلة المقيمين بصورة غير قانونية.