أستغرب من المستغربين والمصدومين من أداء وتصريحات النواب ومواقفهم وتناقضاتهم، بعد أن سيطروا على المجلس وانكشافهم بهذه السرعة، وكأنه أول مقلب يمرّ عليهم في حلقات كاميرا الديموقراطية الكويتية الخفيّة.
مَن أحرجهم وجعلهم في مثل هذا الموقف البايخ هو أول من صنّفهم وأطلق عليهم مصطلح «معارضة» ولم يفعل بنا خيراً، فتقمّصوا أدواراً أكبر منهم ومن إمكاناتهم، وصدقوا أنفسهم واستعاروا المكانة المعنوية للمعارضة التاريخية بلا استحقاق، وكأنهم ورثة شرعيون يتصل نسبهم بذات مبادئ ومواقف وأخلاق المورّثين، وليستمدوا بعدها قيمتهم من المصطلح ذاته الذي كان يحمله عن جدارة وأهلية مَن سبقوهم لا من ذواتهم هم، ثم أصبحوا يتصرفون على هذا الأساس بثقة عمياء وفوقية ونرجسية وكأنهم امتداد طبيعي لهم وعلى الدرب سائرون، أي والله العظيم.
لذلك تجدهم مع كل موقف أو خلاف يطالبون الجميع بالاصطفاف معهم أو خلفهم بما أنهم ضد ذات السلطة التي عارضها الأوائل، نعم هي قد تكون ذات السلطة، لكنّكم لستم ذات المعارضة، ومَن يتبعكم ظناً أنكم تمثّلون استمرارية لذاك الخط الوطني الإصلاحي الأصيل هو بالحقيقة يسيء لنفسه قبل أن يسيء إلى المعارضة الأصيلة، والأكثر إدهاشاً هو قدرتهم اللفظية ونجاحهم الباهر في كل مرة باختلاق المؤامرات والأعداء الوهميين والقصص الخيالية، والتلاعب بالمصطلحات والمفردات مع استخدام أكثرها تحرراً وانفتاحاً وتمرّداً لتمرير أو دعم أشد الأفكار والأشخاص تطرّفاً وانغلاقاً، ويجدون مَن يصدق ويركض ويدافع في كل حلقة جديدة، ويتحول بعدها أي شخص يقف ضد السلطة، مهما كانت تفاهة الموضوع أو تفاهته هو شخصياً، إلى رمز ثوري ومناضل، حتى لو كان يطالب بنموذج أسوأ من الوضع الحالي، أو يتمنى إرجاعنا إلى الخلف بضع سنوات ضوئية.
وبفضل أمثال هؤلاء الطواويس ممن تمثّل المعارضة لمجرد الاعتراض هويّتهم ومصدر قيمتهم، أصبحنا نقاتل على جبهتين، كلتاهما أخطر من الأخرى، وحروب الاستنزاف من رصيد الوطن ومستقبله لا أفق واضحاً لنهايتها، فبعد أن كانت النقاشات والخلافات السياسية تدور مع «المعارضة الأصيلة» حول قضايا وتشريعات تصوب من إدارة الدولة للنهوض بها وبشعبها، وصلنا مع أمثال هؤلاء لقوانين «النون والقرقيعان» ومن يوزع أكثر بفضل نظرية «توزيع الغنائم لحرمان اللصوص من سرقتها» بلا تفكير بالمستقبل ولا بالحاضر ولا بالعدالة ولا بالمساواة ولا بأي شيء آخر، فهؤلاء في النهاية مجرد نواب عاديين فازوا بالانتخابات ويطمحون للفوز بها مرات أخرى لا أكثر، ومصطلح «معارضة» بمفهومه السياسي وسياقه التاريخي أكبر منهم بكثير، كثير جداً، هذه تسمى سذاجة - إذا أحسنّا النوايا - وليست معارضة.