في ظلال الدستور: على هامش المعاشات الاستثنائية
كوكب الشرق
تسطع في سماء الليل البهيم الذي أصبحنا لا نرى غيره في وطننا العربي كواكب ونجوم، وقد جرى الأدباء والشعراء على تشبيه الساطعين في الفن الذين يملؤون القلوب بالمشاعر والحب بالنجوم، ولم يجد البيت الأبيض بأسا في أن يستخدم «النجم الساطع» على سلاح من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي لا أجد بأسا من أن أستعير لقب «كوكب الشرق» الذي أطلقته ملايين الجماهير العربية على سيدة الغناء العربي أم كلثوم، لو كان المستمعون لغنائها يقرنون ذلك عند سماع صوتها بعبارة لا تزال ترن في أذني «عظمة على عظمة يا ست»، لأقول لنائبة كويتية هي د. جنان بوشهري «عظمة على عظمة يا ست» التي وقفت تحت قبة البرلمان الكويتي لتوجه نقداً لاذعا للحكومة، لأنها أساءت استخدام سلطتها في قرار أصدرته بمنح معاش استثنائي لعضو مجلس بلدي سابق، من ذوي الياقات البيضاء في المجتمع الكويتي.
وكنت قد كتبت مقالا، عقب استقالتها من منصبها الوزاري عن الممارسات البرلمانية الخاطئة في استخدام النواب حقهم الدستوري في استجواب الوزراء وطرح الثقة بهم، تحت عنوان «د.جنان ملحمة ودرس في العظمة»، في عدد «الجريدة» الصادر في 17/ 9/ 2019.
لقد أطربني حديث النائبة المحترمة وأطرب الكثيرين من محبي الكويت وتجربتها الديموقراطية الذي أذيع على الهواء مباشرة، كما كان يطربنا صوت أم كلثوم، وهي تشدو بغنائها، لأقول للنائبة «عظمة على عظمة يا ست»، فقد كررت النائبة الكويتية التعبير عن عظمتها في هذا الخطاب الناري الذي ألقته تحت قبة البرلمان والحكومة تنصت بأدب جم وخشوع، وحديث النائبة يلهب بسياطه قراراً أصدرته الحكومة، فهذه هي الديموقراطية.
وكانت هذه النائبة وزيرة في برلمان سابق، واجهت خلال توليها منصبها الوزاري استجوابا من ثلاثة نواب في هذا البرلمان بأنها أساءت استخدام سلطتها فوقفت على المنصة ذاتها، تدفع عن نفسها اتهاما باطلا من أساسه، وتلهب بسياط خطابها النواب الذين قدموه، وأساؤوا استخدام حقهم الدستوري في الاستجواب، وهو أعظم وأخطر أدوات الرقابة البرلمانية التي هي جوهر الحكم الديموقراطي، ولتقدم استقالتها فور الانتهاء من خطابها، فدخلت قلوب الشعب الكويتي الذي أولاها ثقته في الانتخابات العامة التي جرت بعد ذلك بانتخابها لتمثيله في البرلمان الحالي.
مشاري العصيمي الأيقونة البرلمانية
وفي سياق ما طرحته النائبة المحترمة د.جنان من إشارة إلى نواب في البرلمان يحصلون على معاشات استثنائية، تذكرت النائب الراحل مشاري العصيمي، عندما أدرج في قاعة النواب المستحقين لمعاشات استثنائية، فقد كان مهموماً هماً شديداً لأنه لا يريد أن يسبب حرجا لزملائه النواب الآخرىن الذين تضمهم هذه القائمة، لكنه لم يجد مناصا من أن يوجه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء كتابا يعتذر فيه عن عدم قبول صرف هذا المعاش.
والواقع أن الراحل، كان أيقونة برلمانية حمل بصدق وأمانة هموم أمته ووطنه، وخاض معارك طويلة ضد الفساد، ولإقرار استقلال القضاء وفي إزالة آثار العدوان، وفي حزمة القوانين التي أقرها البرلمان في الفصلين التشريعيين السابع والثامن، وفي الإصلاح الإداري، وفي التنمية المستدامة وفي سن التقاليد البرلمانية، كما أدى رسالة المحاماة، كما يجب أن تؤدى، رسالة الدفاع عن الحق والعدل، ورفض الأساليب التي يتبعها بعض المحامين في كسب قضاياهم.
كان قمة المثل والقيم العليا والأخلاق الحميدة، التي تعامل بها مع أصدقائه وزملائه ومع الناس كافة.
لا تظلموا القانون
يقول الفقيه الراحل د.عبد الرزاق السنهوري «القانون يعدل بيننا لكننا نحن نظلمه»، فقد جاء قرار منح المعاش الاستثنائي سالف الذكر على سند من نص المادة المادة (80) من قانون التأمينات الاجتماعية المعمول به في الكويت، والذي يجيز لمجلس الوزراء منح معاشات استثنائية.
ولئن كانت شهادتي مجروحة، فقد شاركت في إعداد وصياغة هذا القانون، إلا أنه في مجال تفسير النصوص التشريعية لاستخلاص دلالتها، وتحريا لمقاصد هذا النص، ووقوفا عند الغاية من تقريره والغرض المقصود منه، والذي يفترض أن يكون النص محل التفسير معبراً عنه ومحمولا عليه، وكان من المسلّم به في تفسير نص في القانون، التوفيق بينه وبين النصوص الأخرى في نظام التأمينات الاجتماعية التي صدر بها هذا القانون.
فقد ولد هذا النظام، منذ إقراره وإصداره في سنة 1976 شامخا بين نظم التأمينات الاجتماعية في العالم كله، سواء في استحقاق المعاش في سن مبكرة ومدة خدمة قصيرة نسبية هي 15 سنة، أو في سخاء ما قررة من معاش يصل إلى 95% من الراتب الشهري، أو في استحقاق هذا المعاش دون اشتراط مدة خدمة في حالتي الوفاة أو العجز الكامل، ولو وقعا خلال السنتين التاليتين لانتهاء الخدمة، أو استنفاد الإجازات المرضية أو انتهاء الخدمة لعدم اللياقة الصحية، أو حصول أسرة المسجون الذي لم يستحق معاشا لمعاش مؤقت، حتى خروجه من السجن.
فنظام التأمينات الاجتماعية يواجه الظروف الإنسانية كافة، فإن أجاز في المادة (80) لمجلس الوزراء دون غيره منح معاشات استثنائية، فإن روح القانون الإنسانية التي تفرضها هذه النصوص، يجب أن تكون إطاراً لهذا النص، فلا يمنح إلا في ظروف إنسانية غاية في القسوة.
إلغاء المادة (80)
ومع ذلك فإن الإسراف في منح المعاشات الاستثنائية، قد يدعو إلى تصدي المجلس التشريعي لهذا النص بإلغائه، وقد قدم بعض أعضاء مجلس الأمة بالفعل اقتراحاً بقانون بإلغائه.