كثيراً ما نسمع عن الأمن المائي والأمن الغذائي وتغير المناخ والطاقة المتجددة، وكل هذه الأمور والظواهر هي الشاغل الأكبر للأمم المتحدة، وتخصص لها أموال هائلة للتقليل من حجم الدمار والتكيف مع التغييرات التي ستطرأ حتما على الكوكب الأزرق، ودولة الكويت ودول الخليج الأخرى تعتمد على إنتاج النفط (الوقود الأحفوري) الذي له دور كبير في مشكلة تغير المناخ والتلوث، ودأبت بعض الدول على التقليل من الاعتماد عليه كمصدر للطاقة وإحلال مصادر أخرى مكانه تدريجيا مثل الطاقة المتجددة، ومن هذه الدول دولة الإمارات المتحدة التي بدأت بالتوسع في إنتاج الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية للتقليل من استخدام الوقود الأحفوري، وفي الكويت حددت الرغبة الأميرية السامية في التوجه نحو إنتاج طاقة بديلة في حلول عام 2035 بنحو 15% من إنتاج الطاقة المحلية، وتم إنشاء محطة الشقايا لإنتاج طاقة الهواء والطاقة الشمسية بطاقة تعادل 70 ميغاوات كمرحلة أولى للوصول الى الهدف المنشود.

ومنطقتا الوفرة والعبدلي هما من مناطق الكويت التي خصصت للإنتاج الزراعي المحلي من بداية الستينيات، وقام كثير من المزارعين ببذل الجهد والمال للوصول الى طموحات صعبة المنال في بلد صحراوي يفتقر للمصادر الطبيعية اللازمة للزراعة مثل المياه والتربة الغنية والمناخ المعتدل، لكن إصرار المزارعين على تطوير بلدهم والوصول الى جزء من الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات وخصوصاً الخضراوات يتحقق باستخدام تقنيات متطورة وبيوت محمية واقية وزراعة مائية محكمة، وكذلك بالنسبة إلى الإنتاج الحيواني والسمكي والألبان، ولكن مازالت دول الخليج تعتمد على استيراد الغذاء من دول العالم تصل الى 85%، ومع زيادة السكان وتقلبات الأسعار العالمية للسلع والمنتجات الغذائية وآثاره العميقة على الأمن الغذائي بمحاوره المختلفة (توافر الغذاء، الحصول على الغذاء، الاستفادة من الغذاء) على المديين المتوسط والطويل، لاسيما في ظل توقعات تغير المناخ وزيادة شح المياه والتقلبات المناخية العالمية التي تؤثر في الإنتاجية، والأزمة الروسية الأوكرانية والتأثير المستمر لفيروس كورونا والصدمات الاقتصادية، جميعها لها تأثيرات سلبية على الأمن الغذائي العالمي، وتبين أهمية استقلال الدول بالاكتفاء الذاتي وتطوير استراتيجية الأمن الغذائي كما هي الحال في الكويت التي تهدف الى زيادة الإنتاج باستخدام تقنيات أكثر تطورا ومعرفة أكثر تقدما بالزراعة، وهنا بدأ بعض المزارعين على المستوى المحلي باستخدام تقنيات حديثة في إنشاء محميات زراعية ذكية.

Ad

الزراعة الذكية هي تقنية حديثة تعتمد على تكنولوجيا متقدمة بطرق وأساليب نظيفة مستدامة، ولها مزايا في ترشيد استغلال الموارد الطبيعية لا سيما المياه، ولا تحتاج عمالة كثيرة وذات جودة عالية خالية من المبيدات والآفات الزراعية وإنتاج مستقر طول العام دون توقف وذات مساحة محدودة وأكثر كفاءة في الإنتاج، وتعتمد على استخدام «إنترنت الأشياء» وهي عملية ربط أي جهاز بجهاز آخر عبر الإنترنت، وهي زراعة دقيقة يمكن تشغيلها والتحكم فيها وإرسال البيانات والمعلومات واستقبالها بأجهزة استشعار وأنظمة تحكم وآلات ذاتية التشغيل وروبوتات، واستثمار هذه البيانات في توجيه الزراعة توجيها دقيقا نحو إنتاج أكبر بمساحة أقل وإنتاج محاصيل ذات جودة عالية.

يتطلب تبني الزراعة الذكية معرفة بالإنترنت ومهارات لا يمتلكها كثير من المزارعين، وتكلفة مالية تشكل عائقا للكثيرين، كما تحتاج الزراعة المحمية في البيوت الزجاجية طاقة إضافية للتشغيل دون انقطاع، وهذا غير متوافر في الوقت الراهن في المناطق الزراعية مثل الوفرة والعبدلي والصليبية، وبدأت بعض الشركات الخاصة بالاستعانة بشركات دولية لإنشاء بيوت محمية للزراعة باستخدام تقنية الزراعة العمودية والمائية وإنترنت الأشياء، وتم إنشاء مجموعة بسيطة من هذه البيوت في منطقة الوفرة والعبدلي وبعض دول الخليج، وترغب هذه الشركات بالتوسع في الإنتاجية للزراعة الذكية من الخضراوات وغيرها.

إن معطيات الواقع والتوجهات العالمية ومؤشرات المستقبل للأمن الغذائي ودراسات الجدوى الاقتصادية تؤكد أن الزراعة الذكية ستشهد نمواً زائدا في السنوات القادمة خصوصا في منطقة الخليج، وستقود الزراعة الذكية «ثورة خضراء» تنقذ البشرية من تبعات تغير المناخ والانفجار السكاني وتدهور البيئة.

ولغرض تشجيع هذه التوجهات تحتاج دولة الكويت الى رؤية مستقبلية للأمن الغذائي كالرؤية الأميرية في مجال الطاقة المتجددة (وهي كما ذكرنا مسبقا تشكل الطاقة المتجددة 15% من إنتاج الطاقة بحدود عام 2035).

تحدد هذه الرؤية كيفية الوصول الى نسبة معينة من الأمن الغذائي بمحاوره الثلاثة وهي: توافر الغذاء، الحصول على الغذاء والاستفادة من الغذاء (على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة إلى محور توافر الغذاء نقترح التوسع بالزراعة الذكية الى 1% من الأراضي الزراعية عام 2035 بما يعادل 240 هكتارا، أي 2.4 مليون متر مربع)، بالإضافة الى تعزيز الإنتاج المحلي الزراعي المستدام بتخصيص نسبة من الأراضي الزراعية (على سبيل المثال 1000 متر مربع لإنشاء بيوت زجاجية ذكية باستغلال الأراضي المهملة أو غير الصالحة للزراعة في المزرعة) تخصص للزراعة الذكية، وتوفير الدعم المالي والطاقة المتجددة والمياه لها وتدريب المزارعين والمنتجين، ومن الجيد أن يتم إنشاء محطة طاقة متجددة شبيهة بمحطة الشقايا في مناطق يتم تحديدها بناء على قدراتها في توفير الطاقة البديلة في الوفرة والعبدلي والصليبية لتوفير الطاقة الشمسية أو طاقة الهواء بمقدار أولي قدره 10 ميغاوات لكل منطقة زراعية توصل للمزارع التي تعمل بالزراعة الذكية للوصول الى هدفين: هما الأمن الغذائي والطاقة المتجددة نحو عام 2035.

هذه مجرد خاطرة نحو الوصول إلى الأمن الغذائي والطاقة المتجددة لنسهم في استغلال الأراضي الزراعية المهملة أو غير المنتجة في تطوير الزراعة الذكية المستدامة.

* باحثة علمية