لو كان هناك بالفعل نهج جديد عند الحكومة لتراجعت وألغت الرواتب والمعاشات الاستثنائية التي قررتها بسلطة منفردة حسب المادة 80 من قانون التأمينات، وهذا ليس كافياً، فهناك بند الكوادر الذي قررته السلطة في السنوات القليلة الماضية توافقاً مع نهج شراء الاسترضاءات السياسية، وهو يصرف على المستحق مثل رواتب الجهاز الطبي وعمال النفط الذين يعملون بالمهن الشاقة وجهاز الإطفاء والأمن، وأعادت السلطة النظر في ميزات مالية غير معقولة في قيمها لأجهزة لا يستحق العاملون بها مثل تلك الامتيازات، فالعاملون في تلك المؤسسات لا يقومون حقيقة بالأعمال المفروضة كمهنيين، وإنما دورهم في الأغلب هو وظيفة «المحول»، وهذا يعني تحويل العمل البحثي الشاق على الأجنبي، وبالعادة يكون هذا من الجنسية المصرية كي يقوم به مقابل راتب بسيط نسبياً، بينما الذي يظهر بالصورة الكاذبة هو ابن البلد وكأنه بطل القصة، مع أنه لا يعرف غير الوجاهة الإعلامية لا أكثر.
كانت هناك وجهة نظر عند المرحوم الشيخ ناصر صباح الأحمد بألا تتعدى الرواتب حدود الثلاثة آلاف دينار في الجهاز الحكومي مع استثناءات خاصة لبعض الأعمال، وكان في ذهنه تلك الامتيازات المادية لأصحاب الوجاهات التي تصرف دون وجه حق، والتي تحرق ميزانية الدولة، رحل ناصر ورحلت معه أحلام كبيرة للإصلاح.
أبسط قواعد الاقتصاد، بل هي من أسس الفلسفة الإنسانية، أنه لا يوجد هناك ما يسمى الأبدية، ديمومة الوضع الاقتصادي «السهل» الآن لن تستمر، وهذا أمر يقيني، لكن مثل هذا غير متصور عند أصحاب القرار، ولربما فكروا فيه قليلاً، لكن عندما يصلون إلى مرحلة اتخاذ القرار والتنفيذ يتم التراجع عنه، فهم يحسبون الكلفة السياسية وصداع الرأس المرافق لها دون حساب كلفة المستقبل ومصير الأجيال والدولة كلها... هنا يظهر الفرق بين إدارة الدولة كأمة وتسيير أمور العشيرة بمنهج الأب الراعي والشعب الطفولي، في النهاية لا جدوى من كل هذا الحديث، فقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي...