أحسن الرئيس أحمد السعدون برفع الجلسة بعد انسحاب الحكومة، لأن هذا هو القرار السليم دستورياً، وهورأي د.عبدالفتاح حسن ود.عادل الطبطبائي، وأشار إليه د.عثمان عبدالملك في كتابه، وأيضاً مجموعة من الدستوريين المعروفين، وذلك بالإضافة إلى العرف الذي سار عليه جميع الرؤساء منذ ولادة مجلس الأمة، ولا يمكن تخيل الجلسات دون حضور الحكومة، فهي التي تصوت على القوانين، وتجيب عن أسئلة النواب، وهي التي توضح موقف الحكومة في جلسات المناقشة والتحقيق، لذلك فإن تغيير هذا الأصل سيوقع البلاد في فوضى دستورية الله وحده يعلم نتائجها، لذلك أقترح على الحكومة والمجلس أن يتقدما بطلب تفسير إلى المحكمة الدستورية حسماً لأي خلاف.
أما الفوضى والصراخ الذي أحدثه بعض النواب في الجلسة الماضية فإنه عودة للممارسات غير الدستورية التي كانوا يقومون بها في المجلس الماضي، وقد يقومون بتكرارها عند أي خلاف في المستقبل بعد أن رضخت لها الحكومة في السابق، وأيضاً فإن انسحاب الحكومة هو إعلان عن وجود أزمة كبيرة بين السلطتين، وهو بمنزلة دعوة للحكماء والقيادة السياسية للتدخل وإيجاد المخارج والحلول قبل اللجوء إلى الحل.
وحسناً فعلت الحكومة بالانسحاب من الجلسة بعد أن رفض المجلس إعادة تقرير القروض إلى اللجنة المالية، وذلك بعد البيان الذي تلاه وزير الدولة والذي يكفي ما جاء فيه من تأكيد لعدم العدالة بين المواطنين والتعهد بالبحث عن بدائل بالإضافة إلى التكلفة الهائلة للقانون لإقناع الأعضاء بإعادة التقرير إلى اللجنة، وأيضاً كانت الإعادة فرصة لإقرار بديل شرعي بديلاً عن الفوائد التي يحرم سدادها أو شراؤها بالمال العام.
لكن الأعضاء وللأسف أصروا على التصويت رغم أن الدستور يأمر بالتعاون بين السلطتين، ولا أستبعد أن الأعضاء كانوا يهدفون إلى التصويت بمداولتين في الجلسة نفسها، وذلك لعلمهم أن المعارضين للقانون من الأعضاء لن يجرؤ أغلبهم على التصويت ضده، وذلك بعد الحملات الشعبوية غير المتخصصة التي تغص بالأخطاء التي ملأت الساحة الإعلامية والاجتماعية، وبعد أن سكتت الحكومة بكل أجهزتها ووزرائها ولم تفعل أي شيء لبيان الحقائق، وذلك عدا البيانات التي أصدرها البنك المركزي.
ومما أضعف وأساء إلى موقف الحكومة هو انكشاف قضية المعاشات الاستثنائية الفلكية التي حصل عليها الوزراء وبعض الموظفين مما يناقض روح القانون والعدالة ووضع الحكومة في وضع لا تحسد عليه.
ولكن، رغم ذلك، فإن من الضروري إعادة النقاش في اللجان لهذا القانون وغيره، وعدم سلق القوانين، خصوصاً المكلفة مالياً منها بالطريقة التي شهدناها منذ بداية عمل هذا المجلس، ويشترط على الحكومة تقديم كل المعلومات والبيانات وآراء المتخصصين الماليين والشرعيين في كل القضايا المطروحة في اللجان.
ولاشك عندي أن الحل الأمثل دستورياً وشرعياً ومالياً هو العودة لقانون صندوق المتعثرين الذي ثبت نجاحه في إقالة عثرة 15000 مقترض كما جاء في جواب وزير المالية بكلفة مالية بسيطة تم سداد جزء منها من المقترضين وجارٍ الآن سداد الجزء الباقي منهم.
الخلاصة هي أن الحكومة تحصد الآن ثمرة قرارها بعدم التصويت في تشكيل اللجان، والله يستر من القادم.
نقطة دستورية: لا يجوز دستورياً الاستجواب على موافقة أو رفض الوزير والحكومة لأي اقتراح بقانون لأن هذا حقها دستورياً.