تؤكد الصالونات السياسية في بغداد أن هناك صراعاً على رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني، يدخل مرحلة أكثر جدية، بين واشنطن وطهران من جهة، وفي محور التنافس الداخلي بين رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والجيل الأصغر سناً في الكتلة الشيعية من الجهة الأخرى.

ويستخدم العارفون بأجواء ذلك الصراع، عدداً من نماذج التحليل لاختبار الأمر عبر ثلاثة مؤشرات، هي: زلزال العملة العراقية، وحديث السوداني المتلفز من برلين حول موضوعات من قبيل الوجود العسكري الأميركي، والتسمية العربية للخليج.

Ad

ووصف خبراء التذبذب الحاد في سعر الدينار العراقي أمام الدولار، بأنه «تنبيه أميركي حاد» وتشدد في فرض قيود على تزويد العراق بالدولار، كي لا تفترض إيران أن مجيء حكومة السوداني قبل شهرين يعني تسهيلات عراقية أكثر لطهران تتيح لها خرق العقوبات الأميركية.

وامتثل العراق للقيود الأميركية، وبرر ذلك لطهران بأنه الطريق الوحيد للحفاظ على أرصدة بغداد في حماية كافية من ملايين الدعاوى القضائية التي تعود إلى مرحلة الغزو الغاشم للكويت، أو قبلها كذلك.

وتذكر مصادر أن أزمة المال ليست بعيدة عن اختيار السوداني الإدلاء بتصريحات «صديقة جداً» بشأن الوجود العسكري الأميركي، مؤكدة أن جناحاً قوياً في الفصائل أعطى رئيس حكومة العراق الضوء الأخضر لطمأنة أميركا بشأن ذلك، والتركيز على مبررات التدريب والاستشارة وصيانة الدروع والطائرات، بشرط أن تضمن أميركا مساعدة السوداني للحفاظ على وضع مستقر وعدم الضغط على مصالح الفصائل، والبدء «بتقبل تحولها إلى وضع سياسي يجب الاعتراف به تدريجياً».

وأوضحت أن ذهاب السوداني إلى الأردن الشهر الماضي وتصريحاته في قمة بغداد الثانية، التي تمسكت باتفاقيات تعاون كبيرة مع البلدان العربية، كانا جزءاً من رغبة الفصائل في طمأنة المحيط العربي.

لكن الأمر لا يسري على جميع الفصائل، فوسائل الإعلام المقربة من «حزب الله» في العراق و«حركة النجباء» مثلاً، وهما اثنان من أخطر التشكيلات الميليشياوية، تشن هجوماً مبطناً ضد موقف السوداني من الحضور العسكري الأميركي، كما انتقدته كثيراً حين تمسك بالتسمية العربية للخليج، وهو يتحدث عن بطولة خليجي 25 المقامة حالياً في البصرة، ورفضه طلب إيران الاعتذار أو التوضيح بشأن ذلك.

وأطلقت الفصائل موجة مطالبات للسوداني، بعضها يتعلق بمعبر جريشان بين البصرة والكويت، وهو معبر ثانوي يستخدم للوجستيات الجيش الأميركي منذ حرب 2003، ثم الحرب ضد تنظيم داعش، وإسناد القوات العراقية. لكن إعلام «حزب الله» اعتبر المعبر «خارج سيادة العراق» وطالب السوداني باسترداده من القوات الأميركية بأقرب وقت.

ويبقى التنافس الداخلي على السوداني قصة متجددة، إذ يريد المالكي الاحتفاظ بنفوذه على رئيس الحكومة وهو وزيره القديم والعضو السابق في حزبه، بينما يطمح قيس الخزعلي وعمار الحكيم إلى استدراج السوداني لكفة «الجيل الأكثر شباباً، وضرورة الإزاحة الجيلية كشرط للإصلاح السياسي»، الأمر الذي يثير غضب المالكي وقلقه، لأن هناك من يفترض أن السوداني لا يريد وضع كل غلاله في صوامع المالكي المثقل بإرث الأخطاء.

وتستبعد أوساط سياسية نشوب مواجهة في المدى القريب بين المالكي ومنافسيه، لأن الكتلة الشيعية المتشددة تحاول أن تحتفل بعودتها إلى السلطة وتخلصها من تهديدات التيار الصدري المنسحب وحكومة الكاظمي المقربة من التيار المدني، معتبرة أن الاحتفال بهذا وتحصينه «مقدم على أي خلاف آخر حتى حين».