في انتظار الباص
بعد التحرير بفترة لا تتجاوز السنة، اقترح المرحوم داود مساعد الصالح، الذي عُيّن محافظاً لحولي، إقامة مهرجانات ترفيهية ومسيرات احتفالات في المحافظة بمناسبة الأعياد الوطنية، وكانت فكرة من داود لحلحلة روح الفرح قليلاً، بعد شهور القمع والرعب أثناء الاحتلال، أيضاً كانت محاولة لتنشيط التجارة والانفتاح للمحافظة، ولربما كان يفكر بالكويت ككل.
انقضّت جماعات التّزمُّت الديني والمزايدات السياسية على وهْم العادات والتقاليد المتيبسة من الكثير من أعضاء مجلس الأمة بالهجوم المُرّ على داود واقتراحه، وكأنه اقترح نقل صورة مطابقة لمهرجانات «ريو» البرازيلية للكويت، لا أذكر ذلك الوقت - وقد أكون غلطاناً - أن ارتفعت أصوات من نواب تقدُّميين تساند اقتراح داود أو تدافع لا عن رؤيته فقط، بل عن حق البشر في البهجة والفرح وحلحلة الوضع الاجتماعي المحنّط، ربما كان الجميع في مجلس الأمة، وبتحريض قوى التجهّم المتسيدة بأمر السلطة السياسية، يرى أن اقتراح المحافظ في ذلك الوقت ليس من الأولويات السياسية والاقتصادية، وطبعاً كان هناك التوافق الضمني عند أغلبية النواب بعدم الاهتمام بمثل محاولة داود البسيطة للانفتاح، واضطر بالتالي - بأوامر من السلطة «الحكيمة» في دنيا موت الحكمة - إلى غلق ملف الاحتفالات والمهرجانات بمناسبة ذكرى اليوم الوطني والتحرير.
أمس، نُشر في وسائل الإعلام خبر افتتاح مركز البحوث لتكنولوجيا النظرية الكميّة وتطبيقاتها بمحافظة حولي، تحت عنوان «افتتاح محطة انتظار ركاب الباصات»، مكيّفة، وبها إضاءة تنير القلوب، وفيها أجهزة مراقبة تترصّد الناس في حالة إذا سوّلت لأحد ما نفسه أن يفعل شيئاً محرّماً في الأجواء الخلابة المغلقة بالمحطة.
وألقى محافظ حولي كلمة جماهيرية هزّت مشاعرنا وأسالت دموع الفرح عن مزايا الإنجاز الرائع لمحطة حولي لعلوم الفضاء وتكنولوجيا انتظار الباصات، وتراصص المحافظ مع فريقه الإعلامي جلوساً على كراسي المحطة، في صورة مبهرة سيخلّدها التاريخ، وعلّق على واجهة المحطة لوحة خشبية أنه تم افتتاحها بعهد سمو الأمير وسمو ولي العهد.
هل هناك أي تعليق على هذا الخبر، بعد مرور أكثر من ربع قرن على محاولة المرحوم داود الصالح للفرح والانفتاح ذلك التاريخ، والقفزة الكبرى التي حققتها الدولة في محطة الباصات اليوم؟... لا أبداً... سلامتكم... انتظروا غودو في محطة الباصات، ولا عزاء لصموئيل بيكيت الكويتي.