في الصميم: لجان المجلس تهدر أموال البلد
المعروف أن لجان المجالس المنتخبة في الدول الديموقراطية هي المطبخ التشريعي، فهي التي تقوم بتشريع القوانين التي تحفظ أموال البلد وممتلكاته وأراضيه، وتحض على إقامة المشاريع التنموية، فهي تتابع المستوى التعليمي والاجتماعي لعموم الشعب.
إلا أن دراسة سابقة أجرتها جريدة «الجريدة» كشفت عن ضحالة إنجازات لجان المجالس تاريخياً، وندرة اجتماعاتها، وقلة من يحضرون انعقادها، وكثرة طلباتها الشعبوية، فهي تتسابق فيما بينها في نشاط غير معهود إذا ما تعلق الأمر بهدر المال العام وهي كثيرة جداً، وذلك لتكسب انتخابي لأعضائها، ومالي لها ولناخبيها، أما ما يصلح أمور البلد فلا شيء.
أعلم أن معارضة إسقاط القروض وزيادة الرواتب والمكافآت المالية للطلبة، ولما يسمى الأعمال الممتازة، التي ليست بممتازة، أمر محرم رفضه عند بعضهم، ولكن لو علم هؤلاء أن عواقب ما ينادون به وخيمة عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم لرفضوها كلها.
سيقول قائل إننا أحق بالأموال التي تدفع لبعض الدول وكأنها إتاوات ونحن معهم في ذلك، وأن هناك من يستفيد من المعاشات الاستثنائية دوننا ونحن أيضاً معهم، لكننا ضد أن يعالج الخطأ بخطأ أسوأ منه، فمضار الإسراف والهدر والتبذير خطيرة على البلد وعلى النشء.
لنأخذ مثالاً مكافآت الطلبة البالغة 200 دينار، إنها ممتازة لمن يقبضها، لكنها غير مقبولة وغير مبررة عندنا لأنها مخربة لمن يتلقونها، وهي تعويد لهم على قبض المال بلا مجهود، وكان إقرارها في الأساس لمصلحة انتخابية، فالكتب ومستلزمات كل طالب يمكن أن توفرها الوزارة كالسابق وبتكلفة قليلة جداً، وهذه المبالغ التي يتلقاها الطلبة الله وحده أعلم بأوجه صرفها، الآن اللجنة التعليمية تريد أن ترفعها إلى 300 دينار شهرياً، مع أنه لا مبرر لإبقائها فكيف بزيادتها؟ غير أنها مصلحة انتخابية بحتة لمن اقترحها وأقرها وصوّت لها.
200 دينار شهرياً لكل طالب مبلغ كبير جداً ومكلف لخزينة الدولة، وتسميتها بالمكافأة من الأساس غلط، فمكافأة على ماذا؟ المكافأة تعطى للمتميزين دراسياً وعلمياً، أما معظم طلبتنا فهم يدرسون تخصصات بعيدة كل البعد عن العلمية والتميز، وهي أصلاً لا حاجة للكويت بها، وإذا كان الطالب سيتلقى 300 دينار شهرياً بلا جهد ولا عمل، وهو يعادل راتب عائلة وافدة تعيش على الكفاف، فماذا سننتظر منه إذا ما دخل سوق العمل وقد تعود على تبذير مال لم يبذل مقابله أي جهد؟
ف «الشال» في تقرير اقتصادي مهم وصف فيه الحكومة بأنها تعيش في كوكب آخر، ونحن نقول بل إن الحكومة والمجلس كليهما يعيشان في كوكب آخر، وهو وصف ينطبق بحق على كل الحكومات ومجالس الأمة السابقة، فهم يعلمون أن الموازنة العامة للدولة تعتمد بنسبة 90% على إيرادات النفط، ولم يحاول أحد منهم خلال السنوات الماضية الطويلة أن يقيم مشاريع تنموية تكون بديلة للنفط، أو أن يشرع ليجبر الحكومة على ذلك كما فعل غيرنا.
الكويت تعيش دائما تحت رحمة تقلبات السوق النفطية، أما جناب الحكومات والمجالس السابقة فكأنها تغرف من أموال ليس لها قرار، فالكل يعلم ذلك ويعلم أن النفط سلعة ناضبة ومعرّضة في أي وقت أن يستبدل بها طاقة بديلة أرخص وأنظف، أما مجالسنا فأعضاؤها يتسابقون على إهدار مداخيلها والحكومات تتسابق على إرضائها، وكأنها مرعوبة من أن يكشف أحد شيئا مريبا فيها.
فيا حكومة ويا مجلس اتركوا عنكم هدر أموال البلد، والتفتوا إلى التعليم وأصلحوه، فهو الأهم قبل أن يفوت الفوت، والفأس تقع في الرأس، فهناك من رُشِّح للدراسات الجامعية لأن نسبته 100% و99% و98% وهذه النسب عالية وغير حقيقية كما سبق أن حذرنا منها.