العدالة المناخية

نشر في 18-01-2023
آخر تحديث 17-01-2023 | 19:24
 سامية أحمد الدعيج

في سبتمبر من العام الماضي غمرت المياه 40% من باكستان بسبب الفيضانات الكارثية للأمطار الموسمية الغزيرة، التي تسببت في بؤس لا يوصف لملايين الناس، و30 مليار دولار من الأضرار والخسائر المالية التي تعادل ما يقارب 9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فليس لدى العلماء أدنى شك في أن الفيضانات قد تفاقمت بسبب التغير المناخي، في بلد مسؤول عن 1% فقط من الانبعاثات العالمية، وهذا هو السبب الذي دفع باكستان أن تقود موقف «الخسارة والأضرار» في المفاوضات المناخية الأخيرة في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في شرم الشيخ، وحققت انتصاراً كبيراً استعصى على العالم النامي في ما يقرب من 30 عاماً من المفاوضات المناخية، عندما تم التوصل إلى اتفاق تاريخي لإنشاء صندوق «الخسارة والأضرار» لمساعدة البلدان الأكثر ضعفاً على التكيف مع التغير المناخي.

ما المقصود بعبارة «الخسارة والأضرار»؟

إنها أساساً مبدأ «مسبب التلوث يدفع» في القوانين البيئية المطّبق على العالم بأسره، فالفكرة هي أن الدول الغنية ستدفع للدول الفقيرة لمساعدتها في التعامل مع الأضرار الناجمة عن الكوارث المباشرة المرتبطة بالمناخ، مثل الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات وموجات الحر، والأضرار الزاحفة، مثل التصحر وارتفاع مستوى سطح البحر، أحد الأسباب الرئيسة لحركة العدالة المناخية التي تركز على العمل المناخي الذي يعالج أوجه عدم المساواة الكامنة وراء أزمة المناخ.

فالمسؤولية عن التغير المناخي الذي يسببه الإنسان موزعة توزيعا غير متكافئ، والآثار السلبية محسوسة على نحو غير متكافئ في جميع أنحاء العالم، وقد حصلت معظم الانبعاثات التاريخية من أغنى البلدان التي لديها أكبر قدر من الموارد والقدرة على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، حتى داخل البلد نفسه أو المدينة ذاتها، من المرجح أن يكون الأشخاص الذين يتمتعون بامتيازات أقل في المجتمع- سواء بسبب عرقهم أو جنسهم أو عوامل أخرى- هم الأكثر تضرراً من التغير المناخي، والشباب والأجيال القادمة الذين ساهموا بشكل أقل في ارتفاع درجات الحرارة سيعانون أكثر من غيرهم من النتائج القصوى على مدار هذا القرن.

وتتسم البلدان ذات الدخل المنخفض بأنها هي الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية، ويرجع ذلك إلى أنها تواجه بعض التطرف الأكثر تواتراً، ولديها أقل الموارد للتكيف مع التغيرات، وتشهد عموما أسرع توسع سكاني، ويعاني العديد منها بالفعل من الديون أيضا، وعلى الرغم من أن بعض البلدان في العالم الغربي تعاني أيضا الطقس القاسي، فإنها تمتلك عموماً المزيد من الموارد للتعامل مع الضرر.

ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ وازدياد عدد مناطق العالم التي تصبح غير قابلة للعيش، قد تتسبب التأثيرات، بما في ذلك موجات الحر والفيضانات والجفاف، في ضغوط إضافية، مثل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي، وفي العديد من المناطق تجبر هذه التغييرات الناس بالفعل على مغادرة ديارهم، فوفقاً للأمم المتحدة، عام 2021، أجبرت الكوارث الطبيعية «ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص» على مغادرة منازلهم في إفريقيا والشرق الأوسط، وعلى الصعيد العالمي، يقدّر البنك الدولي أنه بحلول عام 2050، إذا لم يتم القيام بأي شيء لمنع التغير المناخي، فسيكون هناك 216 مليون شخص نازح داخليا بسبب الآثار، بما في ذلك 19.3 مليون شخص في شمال إفريقيا.

واﻻتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً في مصر بشأن إنشاء «صندوق للخسائر واﻷضرار» هو انتصار لباكستان ومصر والعالم النامي، ويمثّل خطوة في اﻻتجاه الصحيح، وكما قال كبير المفاوضين لمجموعة البلدان النامية المعروفة بمجموعة ال77، والتي تضم الكويت، «الخسارة والضرر ليسا صدقة، بل يتعلقان بالعدالة المناخية».

* خبيرة بيئية

back to top