هل تصلح الخصخصة لإنقاذ قطاعات متدهورة... الرياضة مثالاً؟
• انتخابات الأندية باتت أقرب إلى معركة بروز لغير الرياضيين
• المخاوف المستحقة من تحوُّل الأندية إلى شركات عقارية تتطلب قانوناً صارماً
أعطت انتخابات العديد من مجالس إدارات الأندية الرياضية التي شهدتها الكويت الأسبوع الماضي، وبعضها تخللته مواجهة انتخابية «شديدة» على الرغم من سوء أوضاع تلك الأندية على صعيد المنافسات وتدني جماهيريتها، مشهداً يعبر عن تحول الرياضة في البلاد إلى مناصب ووجاهة، وربما مشروع سياسي أو انتخابي لبعضهم، إلى درجة أن أندية معدومة الجماهيرية تجاوز عدد أعضاء جمعيتها العمومية 10 آلاف عضو، في حين أن عدد المشجعين فيها لا يتجاوز في أفضل الأحوال 100 شخص، وهو وضعٌ باتت انتخابات الأندية فيه أقرب إلى معركة بروز لغير الرياضيين أكثر من أنها منافسة بين المنتمين إلى الجسم الرياضي.
وتعاني الرياضة الكويتية، منذ عقود، حالة تراجع لافتة تدهورت فيها الألعاب الجماعية التي كانت البلاد متميزة فيها إقليمياً وقارياً، واختفت معظم الألعاب الفردية التي كان القطاع الرياضي في السبعينيات والثمانينيات يعمل على تنميتها، في حين سجل منتخب كرة القدم الذي كان أول منتخب عربي يفوز بكأس آسيا عام 1980 وأول منتخب عربي آسيوي يتأهل لكأس العالم 1982، أسوأ صور التدهور الرياضي بحلوله في الترتيب ال 149 عالمياً وال 27 آسيوياً والأخير خليجياً في تصنيف «الفيفا».
دون الكثير من السرد لواقع الرياضة الحالي أو التحسر على ماضٍ لا أمل في عودته ليس فقط لمحدودية الرجال المخلصين كالذين قادوا الحركة الرياضية في تلك السنوات، بل أيضاً لتحول الرياضة إلى صناعة واستثمار و«بزنس» في العديد من دول الإقليم والعالم، يستدعي تحولاً غير تقليدي لمعالجة أوضاع قطاع متدهور جداً، ما يعيد إلى دائرة النقاش مجدداً سؤالاً عن مدى قدرة الخصخصة على إصلاح واقع الرياضة الكويتية؟
إنفاق وتدهوركيف تتحدث الحكومة عن خصخصة التعليم والصحة والنفط وهي تفتقد نماذج نجاح في قطاعات صغيرة كالبريد والسياحة والرياضة؟
فالقطاع الرياضي الكويتي، يعاني تدهوراً شديداً يماثل مستويات دول مجهرية أو شديدة الفقر، إذ حققت الكويت، التي تنفق سنوياً على الرياضة نحو 150 مليون دينار، معظمها على رواتب وأعمال إدارية بحتة ولا يُعرَف على وجه التحديد كم منها يوجّه فعلياً إلى الأنشطة الرياضية، في أولمبياد طوكيو الأخيرة 2020 ميدالية برونزية يتيمة في مسابقة السكيت «الرماية»، وهو دون مستوى دول مثل برمودا وفيجي وناميبيا، ومماثل لمستوى بوتسوانا وغرينادا ومولدوفيا، وهذه الدول مجتمعة لا تنفق - من الناحية المالية - ما تنفقه الكويت على الرياضة، بالتالي فإن أي فشل في مشروع خصخصة الأندية الرياضية لن ينعكس بتأثير كبير على أحد عوامل تقييم أي مشروع خصخصة وهو «جودة الخدمة»، لأن الخدمة التي تقدمها الأندية بوضعها الحالي من أسوأ ما يمكن توقعه، فضلاً عن أن عدد العمالة الوطنية في الأندية الرياضية محدود جداً، وبالتالي الخوف أيضاً من فشل نموذج الخصخصة على عامل آخر في التقييم وهو «العمالة الوطنية».
تحدٍّ ومخاوف
ويظل التحدي الأساسي في نجاح أو فشل أي خصخصة للأندية الرياضية في مدى نجاح الهيئة الناظمة، وهي الهيئة العامة للشباب والرياضة في ضمان عدم إهمال الأندية بعد خصخصتها لأغراضها الأساسية في تطوير الألعاب، وتتفرغ مثلاً للاستثمار العقاري على أراضي ومنشآت النادي، فنكون قد استبدلنا كتلاً انتخابية غير رياضية بشركات أيضاً لا علاقة لها بالرياضة.
وفي الحقيقة، فإن هذا التحدي يثير مخاوف مستحقة، مما يجعلنا أمام مسؤولية تشريع قانون يضمن توجه الأندية الرياضية نحو اختصاصاتها، وبالتالي يتيح لهيئة الرياضة أن تؤدي دور الجهة الناظمة بحيث تكون علاقتها بالأندية كعلاقة بنك الكويت المركزي بالبنوك، بمعنى أن تتوفر لديها الصلاحية لتصويب أي انحراف في العمل التشغيلي الأساسي وهو الرياضة، ومراقبة الإنفاق على الأنشطة الرياضية مقابل نظيرتها غير الرياضية، والفصل في أي خلط قائم في المفاهيم ما بين الخصخصة والاستثمار والاحتراف، وخلق سوق لتوفير الموارد المالية عبر التسويق وحقوق بيع المباريات وجذب الرعايات، بل وحتى تحويل الدعم المالي الحكومي الحالي إلى مكافآت يحصل الأعلى أداءً على القيمة المالية الأكبر.
فمن المناسب أن تكون للهيئة صلاحية فرض عقوبات تصل إلى سحب الترخيص من الشركات، التي تنحرف في ممارسة النشاط التشغيلي الرياضي لمصلحة أنشطة عقارية أو استثمارية أخرى.
ربح أو تسويق
وغالباً ما يتساءل البعض: هل قطاع الأندية الرياضية - بوجود القيود التشغيلية أعلاه - يمكن أن يكون مغرياً لاستثمار الشركات في الرياضة؟... في الحقيقة قد لا يكون الربح المالي هدفاً أساسياً للمستثمر في القطاع الرياضي، فربما تكون الرياضة بما تحتويه من جماهيرية كبيرة نافذة تسويقية لبنوك وشركات اتصالات وتجزئة وأغذية تتعامل مع الجمهور، وتحتاج إلى نجاح الأندية لتسويق منتجاتها.
المؤسف أن الحكومة تتعامل مع مسألة خصخصة الأندية بنظام ردة الفعل، خصوصاً مع احتدام النزاع بين أطراف النفوذ في الرياضة الكويتية، فكلف مجلس الوزراء عام 2015 الهيئة العامة للاستثمار دراسة الجوانب المتعلقة بخصخصة الأندية الرياضية، ومنذاك التاريخ لم تعلن هيئة الاستثمار نتائج دراستها، ولم يتابع مجلس الوزراء المسألة من بعدها!الحكومة كلّفت هيئة الاستثمار عام 2015 دراسة خصخصة الأندية الرياضية ولم يُكشف عن الدراسة حتى اليوم!
نموذج محدود
لا شك، الوضع الرياضي الحالي يمثل نموذجاً مهيأً لخصخصة قطاعات صغيرة ومحدودة كالبريد وشركة المشروعات السياحية وغيرهما، وآثار الإخفاق فيها يمكن معالجته وتطويره، فتكون لدى الدولة خبرة ومهنية وتجربة في التعامل مع الخصخصة وتحدياتها وانحرافاتها قبل أن تتجه الحكومة، كما ورد في برامجها لخصخصة قطاعات أكبر كالتعليم والصحة والنفط، وهذه قطاعات تكلفة الانحراف أو الفشل فيها عالية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وربما حتى السياسي.