السبب الأعمق لأزمة عدم الإنجاز الحكومي
ركز عضو مجلس الأمة عبدالله المضف في مقابلته الأخيرة عبر برنامج الحوار السياسي على أن الحكومة لا تحتاج في تنفيذ ما ورد من محاور في برنامج العمل الذي قدمته للمجلس لأي تشريعات تصدر من مجلس الأمة، بل تحتاج فقط لاتخاذ قرارات من الوزارات المختصة، فمحور النهوض بالتعليم والصحة والبنية التحتية وغيرها من محاور متطلبات تنفيذها لا يحتاج إلى تشريعات من المجلس، بل يحتاج قرارات من الوزارات، وبالرغم من ذلك فالحكومة لم تنجز شيئا، والمجلس ليس له صلة بالموضوع وغير مسؤول عن أي تأخير.
وعزا عضو مجلس الأمة الخلل إلى عدم تجانس أولويات المجلس لأن النظام الانتخابي غير قائم على أساس القوائم الانتخابية، بل نظامه فردي، والعضو الفرد يقدم رؤيته من اجتهاده الشخصي، هذا من جانب ومن الحانب الآخر قال إن الحكومة غير متجانسة مع أنها اختيرت من شخص واحد هو رئيس مجلس الوزراء.
هذا التشخيص من النائب لا أتفق معه بالرغم من عمقه لأن الخلل بل الأزمة تكمن في عقلية ومنهج النظام السياسي، وفي فلسفة الحكم كما سبق أن قلنا إن الخلل في عدم وجود برنامج عمل يسبق اختيار رئيس الوزراء والوزراء بعد ذلك، إنه برنامج العمل الذي تقدمه الحكومة فور تشكيلها بموجب منطوق ومفهوم مادة الدستور (98) لأن المادة لا يمكن تطبيقها واقعياً إلا بوجود برنامج العمل قبل تشكيل الحكومة، بل يكون هو الموجه لاختيار رئيس الحكومة وسائر أعضائها، وقد اقترحت آلية وضع برنامج العمل حسب التالي:
المادة (98) من الدستور توجب تقديم برنامج عمل الحكومة فور تشكيلها، مما بعني أن الحكومة اختيرت واختير أعضاؤها بناء على برنامج العمل، وقد شرحنا وجهة نظرنا في المعنى الحقيقي لهذه المادة، وأن البرنامج تضعه منظمات المجتمع المدني، والكتل والجمعيات السياسية، وأرباب الاختصاص الناشطون، ورسمنا آلية التفاعل بين كل هؤلاء والقيادة السياسية عبر مركز الكويت للسياسة العامة (KPPC) الذي هو جزء من الأمانة العامة، ليكون الوعاء الذي يطبخ فيه برنامج العمل، إذ يقوم على بلورة المقترحات والرؤى وصياغتها في شكل برنامج عمل يقدم للقيادة السياسية لكي يكون أساس اختيار كل أعضاء الحكومة بعد اختيار رئيسها.
لذلك وعلى الرغم من الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة، إذ كانت الانتخابات البرلمانية نزيهة وشهدت عدم تدخل حكومي وعدم وجود مال سياسي ورشوة، ناهيكم عن امتناع الحكومة عن التدخل في انتخاب رئيس مجلس الأمة وأعضاء لجانه، وعلى الرغم من تقديم الحكومة برنامج عملها منضبطاً بمعايير كمية وزمنية لأول مرة في تاريخ العمل السياسي فإن كل ما سبق لم يُجدِ، فالحكومة لم تنفذ أهداف برنامج العمل ومحاوره، والسبب أن برنامج العمل لم يوضع وفق الآلية الطبيعية والرشيدة، ولم يتم اختيار الحكومة وفق برنامج عمل موجود يوجِّه اختيار الحكومة برئيسها وسائر وزرائها.
والحكومة منغمسة في معاداة ومصادمة القوانين الطبيعية المجتمعية في السياسة والإدارة والاقتصاد والتعليم والصحة، فهي لا تفكر مجرد تفكير في خصخصة القطاع الإنتاجي وتحرير الأراضي وإفساح المجال للمطوِّرين بأفضل الضوابط وفرض الضرائب.
أخيرا مهما حسنت النوايا وجنَّحنا في آفاق التفاؤل فإننا لن نخرق قوانين الكون السياسي والاجتماعي، ومهما أطلقنا الأمنيات في فضاء يتصادم مع بداهات الأمور لن تمطرنا السماء بالمَنِّ والسَّلوى، فالحكومة تريد الإنجاز لكنها لم تتوافق مع القانون السياسي الكوني، فالنتيجة خواء.