وجهة نظر: أراه أفضل المجالس
إن عدد قضايا الفساد المنظورة أمام المحاكم الكويتية والقضايا التي قد تنظر في المستقبل لدليل على وجه من وجوه الفترة الماضية القبيحة التي تعكس انحداراً شديداً، ولو لم يتم تداركه في اللحظات الأخيرة لكنا دخلنا منظومة الدول الفاشلة.
القضية لا تتوقف عند العمولات والسرقات بقدر ما هي تراجع في كل شيء من خدمات وبنى تحتية وأنشطة رسمية وغير رسمية وصلت إلى درجة استخراج السماعات من آذان الطلبة في العيادات الحكومية والخاصة، وهي صورة من صور الفساد السابق التي لا تزال قائمة، ولم يتم التغلب عليها.
ولذا فإن تصاعد السخط الشعبي وانعكاسه على التوجهات الانتخابية في عامي 2020 و2022م، ساهم في صعود واضح للصوت المعارض في مجلس 2020، مما أدى إلى حله وإجراء انتخابات جديدة عام 2022م ربما هي الأكثر نزاهة في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية، وكان واضحاً أن عدد مقاعد المعارضة قد زاد بشكل يعكس الوعي الشعبي الكبير وأثره في هذه النتائج.
ولعل ركون المعارضة في المجلس الحالي للهدوء كان يحمل عدة صور واتجاهات أهمها رد التحية بمثلها للموقف الرسمي الحكومي من الانتخابات الأخيرة، وانتخابات المجلس ولجانه، وحسن الظن بالأداء السياسي والإداري للحكومة الجديدة، وحالة الانتظار والمراقبة لتنفيذ الوعود الحكومية، وكل تلك العوامل أدت إلى هدوء مؤقت قد يعقبه عاصفة بدأت «زوابعها» تهب بشكل متقطع الآن.
إذاً تشدد المعارضة في المجلس السابق وهدوؤها في المجلس الحالي وبدء تصاعد نبرة التشدد من جديد هما حالتان طبيعيتان لمعارضة رشيدة وواعية تتعامل مع القضايا بحسب مجرياتها، وتبتعد عن المجاملة أو المناكفة الخارجتين عن حالة الرشاد، ولو نظرنا إلى الجانب الآخر من تركيبة المجلس لوجدنا أن النواب الحكوميين كانوا داعمين بشدة للحكومة في عز الانحدار ومعارضين لها في عز التفاؤل الشعبي، وهي حالة لها عدة تفسيرات قد تكون كلها سلبية.
من هنا يبدو لي أن نواب المعارضة في هذا المجلس هم الأفضل والأكثر وعياً خلال السنوات العشرين الأخيرة، وهذا لا يبرئهم من بعض الأخطاء في قائمة الأولويات أو الانحياز إلى بعض القضايا الشعبية ذات الآثار السلبية على الدولة مالياً وسياسياً، وبعض التباين في المواقف ناجم عن اختلاف في التوجهات، لكن تبقى النوايا الصادقة وقلة الأخطاء والمرونة المنطقية في بعض المواقف برهاناً على أنهم رائعون، وأن نشاطهم الواعي قد تسبب في حرج حكومي وتوجه إلى تخارج إجباري بين سلوكها القديم والجديد والذي يمكن أن يكون إيجابياً مهما ارتفعت أو انخفضت وتيرته.
على أن أي انتخابات جديدة ستأتي بنواب معارضين أكثر عدداً وأقل مصداقية، لأننا تعودنا أن من يركب الموجة السياسية السائدة كثيرون، وهذا ما عاناه مجلس 2012 الذي اختلط به صادق المعارضة بمتسلقها فأصبح الكل معارضين، ورغم ذلك فإن الأمل في استمرار هذا المجلس يشوبه الكثير من الشكوك لأن أي قراءة لإرثنا البرلماني تؤكد أن هذا المجلس (محلول)، ومع ذلك فإني لا أستبعد تأجيل التصادم الذي سيقود إلى الحل إذا ما حاولت الحكومة والمجلس الالتقاء في المنطقة الوسطى، والعمل سوياً على إنجاز الملفات التي يمكن الاتفاق عليها، وهي بالمناسبة قد تزيد على 70% من الملفات الكلية.