من صيد الخاطر: «تَتابَعِي بَقَرُ»
«تَتابَعِي بَقَرُ» مثل عربي قاله بشر بن أبي خازم الأسدي، وهو أحد فحول الشعر الشجعان في العصر الجاهلي، ووراء هذا المثل واقعة، فقد خرج في سنة أسْنَتَ فيها قومُه وجهدوا فمر بِصُوَار (القطيع من البقر)، وإجلٍ من الأرْوَى (القطيع من بقر الوحش) فذُعِرَتْ منه فركبت جَبَلاً وَعْراَ ليس له منفذ، فلما نظر إليها قام على شِعْب من الجبل، وأخرج قوسه، وجعل يشير إليها كأنه يرميها، فجعلت تلقى أنفسها فتكسر، وجعل يقول:«أَنْتَ الَّذِي تَصْنَعُ مَا لَمْ يُصْنَعِ... أنْتَ حَطَطْتَ مِنْ ذَرَا مُقَنَّعِ... كلَّ شَبُوب لَهِقٍ مُوَلَّعِ»
وجعل يقول: تتابعي بَقَرُ، تتابعي بَقَرُ حتى تكسَّرت، فخرج إلى قومه، فدعاهم إليها، فأصابوا من اللحم ما انتعشوا به.
ثم إن بشراً خرج إلى قومه، فدعاهم إليها، فأصابوا الكثير من اللحم ما انتعشوا به، وذهب ما قاله مثلا، فـ«تَتابَعِي بَقَرُ» مثل يقال عندما يتتابع الأمر على مجاميع بسرعة، وبلا تفكر ولا تردد، وهو أمر تفعله الخيل، والإبل، وغيرها من الدواب، وكذلك يفعله الإمعات من الناس، وهو فعل يعكس عقلية القطيع التي تسير وراء من تثق به، ولا تعلم أن مصيرها الخسران والهلاك.
والإمعة هنا تطلق على من لا رأي له، فهو يتابع كل أحد على رأيه، ودائم القول لكل أحد أنا معك، من دون رأي ولا تفكر، فلا ثوابت عنده ولا قرار خاصا به.
وفي ذلك رُوي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «لا تكونوا إِمَّعَةً، تقولون: إنْ أحسَنَ الناسُ أحسنا، وإن ظلموا ظلَمْنا، ولكن وَطِّنوا أنفسَكم، إن أحسَن الناسُ أن تُحسِنوا، وإن أساؤوا ألا تَظلِموا».
ملحوظة: مقتبس من التراث بتصرف.