قبل 3 أيام من زيارة مقررة للمستشار الألماني أولاف شولتس لباريس للاحتفال بالذكرى الستين ل «معاهدة الإليزيه» والمشاركة في اجتماع حكومي فرنسي ألماني في محاولة لتسوية الخلافات بين باريس وبرلين أكبر قوتين أوروبيتين، وقّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، في برشلونة مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز «معاهدة صداقة وتعاون».
وتنص هذه الوثيقة بالتفصيل، على تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين على صعيد الهجرة والدفاع والطاقة خصوصاً.
وتسعى باريس إلى تثبيت وتعزيز علاقاتها مع جيران آخرين غير ألمانيا، خصوصاً في جنوب أوروبا، في وقت شاب المحرك الفرنسي الألماني للاتحاد الأوروبي بعض القصور. وانتقد ماكرون خصوصاً رفض برلين وضع سقف لسعر النفط الروسي وحزم مساعدات قدمتها لشركاتها اعتبر أنها تضر بالتنافس.
وأثارت ألمانيا حفيظة فرنسا عندما أعلنت اعتمادها على الصناعات العسكرية الأميركية، خصوصاً المقاتلة «إف 35» المتطورة، لضمها لقواتها الجوية ضمن خطتها الطموحة لتحديث قواتها المسلحة.
وجاء توقيع المعاهدة الفرنسية- الإسبانية بعد ثلاثة أشهر على استبدال مشروع «ميدكات»، الذي أُطلق عام 2003 لربط شبكتَي الغاز الفرنسية والإسبانية عبر جبال بيرينيه، بمشروع «H2Med» (هيدروجين المتوسط) الذي اتفقت عليه فرنسا وإسبانيا والبرتغال. وكانت ألمانيا تعول على «ميدكات» ليكون البديل ل «نوردستريم 2»، بعد أن أصبحت واردات الغاز الروسي غير مأمونة، وذلك عبر تمكينها من الاستفادة من الغاز والهيدروجين الأخضر القادم من شمال إفريقيا.
وترى باريس «عدداً من نقاط التلاقي» بين ماكرون وسانشيز «بشأن جدول الأعمال الأوروبي في الأشهر المقبلة»، فيما يسعى الرئيس الفرنسي إلى تكريس «نهج مشترك مع مدريد» بشأن الاستجابة الأوروبية لقانون خفض التضخم، وهو مشروع استثماري كبير في مجال تحول الطاقة قدّمه الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي نهاية نوفمبر، اعتبر ماكرون في واشنطن أن الإعانات الضخمة المقدّمة للشركات الأميركية «شرسة جداً»، معرباً عن خشيته من تعريضها للخطر مشاريع أوروبا في مجال الطاقة النظيفة والانتعاش الصناعي. لذلك، يسعى ماكرون إلى الدفع نحو تحرّك كبير من الاتحاد الأوروبي وقرارات سريعة لمنع انتقال الشركات الأوروبية التي تجذبها المساعدات الأميركية.
إلى ذلك، بدأ سائقو قطارات ومعلمون وعمال مصافٍ وغيرهم من الفرنسيين إضراباً عن العمل أمس احتجاجاً على خطط الحكومة لرفع سن التقاعد عامين إلى 64.
وتمثل الإضرابات والاحتجاجات اختباراً كبيراً لماكرون الذي يقول إن خطته لإصلاح نظام التقاعد، التي تظهر استطلاعات الرأي أنها لا تحظى بشعبية بشكل كبير، ضرورية لضمان عدم إفلاس نظام التقاعد.
وتواجه النقابات العمالية تحديا لتحويل هذه المعارضة إلى إصلاح وتحويل الغضب من أزمة غلاء المعيشة إلى احتجاج جماهيري من شأنه أن يجبر الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها. وجاء في تقديرات لوزارة العمل أن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدر 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) كمساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027.
وشهدت حركة وسائل النقل العام اضطرابات شديدة. وقالت الشركة الوطنية للسكك الحديدية إنه لا يعمل إلا ما بين واحد من ثلاثة وواحد من خمسة فقط من خطوط قطارات (تي. جي. في) عالية السرعة، ولا تعمل تقريبا أي قطارات داخل المناطق أو بينها.
وفي باريس، تم إغلاق بعض محطات المترو وتعطلت حركة السير بشدة، مع تشغيل عدد قليل من القطارات.
وجاء عمال القطاع العام في طليعة المضربين، وتوقف سبعة من بين عشرة معلمين بالمدارس الابتدائية عن العمل، حسب نقابتهم.
وأظهرت بيانات شركة كهرباء فرنسا وشركة نقل الكهرباء الفرنسية أن إنتاج الكهرباء انخفض نحو 12 بالمئة من إجمالي إمدادات الطاقة. وقال مسؤولون نقابيون ومن شركة «توتال إنرجيز» إن الشحنات محتجزة في مصافي الشركة في فرنسا. واقتصر التأثير على الحركة الجوية إلى حد كبير على تعطيل نحو 20 بالمئة من الرحلات الجوية في أورلي، ثاني أكبر مطار في باريس.
ومازال يتعين إقرار الإصلاح في البرلمان الذي فقد فيه ماكرون أغلبيته المطلقة لكنه يأمل إقراره بدعم من المحافظين.