لا تستهينوا بدورنا في سلسلة الحياة وقدرتنا على البقاء والاستمرار، فنحن مثل الطحالب بين الحيتان والقروش المفترسة، يأكل كبيرها الصغير وقويّها الضعيف، ونحن بينهم نعرف كيف نلتقط أرزاقنا ونلمع أنفسنا ونقضي حاجاتنا وحاجاتهم عند الطلب وبعد تسلّم المقسوم.
صناعة نحت الكلمات الكبيرة ورفع الشعارات الرنانة لا أحد يجيدها مثلنا، فكما أظنكم تعرفون أن أفضل مَن يتحدث عن الشرف هو من لا يمتلكه، مثل الفقير حين يتكلم عن حياة الثراء التي لم يجرّبها، فيكون حديثه خيالياً مشوقاً، وهذا ما يخلب ألباب الجماهير ويلهب خيالهم وينعش آمالهم، وهذا سر حرفتنا ومهارتنا، ناهيكم عن موهبتنا الفذّة في تحريض الناس على محاربة طواحين الهواء وخيالات المآتة وتحميلها أسباب التراجع والفساد وكل المصايب التي قد يكون معزبنا وربّ عملنا الخفي ساهم بها أو ارتكب مثلها وأكثر، لكن دي حاجة ودي حاجة.
كانت ملاعبنا محدودة، فجاءت التكنولوجيا وفرشت لنا الأرض، وبعكس المجانين الذين كشفهم هذا التطور التقني، فإنه ستر علينا وصنع هالتنا وقيمتنا ولم يعُد أحد يصدق من كان يعرف حقيقتنا و«أخلاقنا» قبل ظهوره، هذا ولا يغرّكم الهدوء والاستقرار والنّفَس الإصلاحي، ومثل هذا الكلام الأجوف الذي نتقن مثله وأكثر، فنحن سنبقى وستظل الحاجة مستمرة لنا والطلب عالياً على خدماتنا، مادام هناك نفط وأموال وحيتان وقروش وناس «هبلة» تصدّق.
إلى اللقاء في المعركة القادمة.