في المشمش
«لم يعد لديّ ما يمكن أن أقدمه»، بتلك العبارة اختتمت جاسيندا أردين، رئيسة وزراء نيوزيلندا، كلمتها التي أعلنت فيها نيتها التخلي عن المنصب الرفيع في الشهر القادم. هكذا أقرت بواقعها بكل تواضع، وهي التي قدمت الكثير للدولة، فسياستها المتشددة بإغلاق حدود نيوزيلندا أيام «كوفيد» جعلت بلادها الأقل تضرراً من انتشار المرض، ونالت بذلك لعنات المعارضين الذين ضربوا سيارتها بالحصى، واضطرت إلى تغيير طريقها، كي لا تصطدم بهم، فالسياحة تشكل مصدر إيراد كبير لذلك البلد.
للرئيسة المستقيلة وجه إنساني كبير، فحين ضرب إرهابي يميني متشدد المصلين المسلمين عام 2019 بالرصاص، قامت بزيارة الضحايا في مسجد النور، وضمتهم إلى صدرها في مشهد لا ينسى. هي سيدة عمرها لا يتجاوز 42 عاماً، حققت نجاحاً سياسياً في بلدها، ولكنها زهدت في السياسة ولا يبدو أن الكثير من النيوزيلنديين يرغبون فيها، وشبهها كاتب في «واشنطن بوست» بتشرشل، الذي قاد شعبه إلى الانتصار في الحرب العالمية الثانية ومع ذلك خسر الانتخابات.
لا يوجد عند الشعوب المتقدمة مكان للعواطف في الأمور السياسية، ولا يقال عندهم هذا السياسي قدم الكثير ولم يقصر في تلك الأيام، فأي خطأ أو اجتهاد سياسي لا يرغب فيه الشعب يمكن أن يحاسب عليه صاحبه عند صندوق الانتخابات.
أيضاً تم تغريم رئيس الوزراء البريطاني سوناك بمخالفة مرورية، لأنه لم يضع حزام الأمان في سيارته وهو يتحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لم ينفع اعتذاره عن ذلك، وهو الذي أتى جدوده من الهند قبل 1920 «سنة بناء سور المملكة المتحدة الكويتية»، واستحق الجنسية بالتأسيس، وكان ابن بطنها الهندي، ولم يُسأل أهله عن دينهم حين مُنحت لهم الجنسية البريطانية، ولم يكن من أهالي «داخل السور» وابن الديرة كما نقول في تراثنا العظيم، من حسن حظه أن جدوده لم ينزحوا لبلدنا الكبير وإلا لوجدناه يهرول بين أروقة وزارة الداخلية لتجديد الإقامة، أو يبحث عن كفيل وسكن في منطقة الحساوي. لم يرحم الإنكليز قبله الرئيس جونسون الذي رقص في حفلة خاصة وبيده كأس من المنكر (أعوذ بالله).
دول القانون ليست بالضرورة أن تكون ديموقراطية، فسنغافورة لا تعد نموذجاً ديموقراطياً، ولكنها دولة قانون، لي كوان، وهو رئيس الوزراء السابق، طرد وزيراً بتهم الفساد وسجنه، وحاكم ضباطاً وطردهم من الخدمة لذات التهم، ووضع بلاده بالتالي في قائمة أغنى الدول، وهي الفقيرة في الموارد الطبيعية. المهم النظام وحكم القانون، لربما كان هو الفيلسوف الملك، كما يقول إفلاطون. أمثلة كثيرة في عالم السنع والحصافة هل تعلمنا أو سنتعلم منها؟ في المشمش.