قال تقرير أسواق النقد الأسبوعي، الصادر عن بنك الكويت الوطني، إنه على الرغم من البيانات الاقتصادية الأضعف من المتوقع، فإن مسؤولي «الاحتياطي الفدرالي» ذكروا أن معركتهم ضد التضخم لم تنته بعد، وبدأت آراء صناع السياسات النقدية في اتخاذ مسارات مختلفة، إذ دعم البعض رفع معدلات الفائدة بوتيرة أكثر اعتدالاً، بينما دعم آخرون اتخاذ مسار أكثر تشدداً.
في التفاصيل، وفي حين أكد عضوا اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة، لوري لوجان وباتريك هاركر، أن رفع سعر الفائدة 25 نقطة أساس يعتبر أكثر ملاءمة للمضي قُدماً، رغم إشارة كليهما إلى إمكانية تخطي معدل الفائدة النهائي أكثر من 5 بالمئة، إلا أن جيمس بولارد يفضّل رفع سعر الفائدة 100 نقطة أساس هذا العام، ليصل سعر الفائدة على الأموال الفدرالية إلى 5.5 بالمئة، وتتوقع لوريتا ميستر تخطي سعر الفائدة 5 بالمئة، حتى لو تحرّك التضخم في الاتجاه الصحيح.
وأشار كل من جون ويليامز وسوزان كولينز ولايل برينارد إلى ضرورة رفع أسعار الفائدة، حتى مع تباطؤ معدلات التضخم، فيما أشار ويليامز إلى أن الطلب لا يزال «قوياً جداً» مقارنةً بالعرض، وأن تراجع التضخم هذا العام يعود بشكل كبير إلى تحسُّن سلاسل التوريد وتراجع أسعار السلع عن ذروة مستوياتها العام الماضي. وقال برينارد، إن الأمر قد يتطلب إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة «بعض الوقت» من أجل إعادة التضخم بشكل مستدام إلى مستوى 2 بالمئة المستهدف.
وبدأ النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة يفقد زخمه تحت وطأة ارتفاع أسعار الفائدة، إذ تراجع المؤشر الصناعي في نيويورك إلى - 32.9 في يناير مقابل - 11.2 في ديسمبر، ليسجل أدنى المستويات منذ الأشهر الأولى للجائحة، مما يؤكد الاضطرابات التي تواجه المنتجين، في حين أشار مسح المصنعين في نيويورك إلى انكماش حاد في قطاع التصنيع بداية العام الحالي مع انخفاض الطلبات الجديدة بشكل حاد بسبب ضعف الطلب وتباطؤ نمو سوق العمل.
كذلك انخفض مؤشر فيلادلفيا الفدرالي الصناعي في يناير إلى - 8.9، إلا أن تلك القراءة جاءت أفضل من التوقعات بوصول المؤشر إلى - 10.9 ومقارنة بقراءة الشهر الماضي التي بلغت - 13.8.
وعلى جانب الإنتاج، استمر تراجع ضغوط الأسعار في ديسمبر، وخلال الشهر الماضي، تراجع مؤشر أسعار المنتجين بأعلى وتيرة منذ بداية الجائحة، إذ انخفض مؤشر أسعار المنتجين الأساسي بنسبة 0.5 بالمئة، بمعدل أقل من توقعات انخفاضه بنسبة 0.1 بالمئة. وعلى أساس سنوي، ارتفع مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 6.2 بالمئة مقابل 7.3 بالمئة في نوفمبر.
ويعزى التراجع الشهري إلى انخفاض أسعار السلع، خاصة الطاقة والمواد الغذائية. وباستثناء تلك المكونات، ارتفع مؤشر أسعار المنتجين الأساسي بنسبة 0.1 بالمئة في ديسمبر وبنسبة 5.5 بالمئة على أساس سنوي. وبدأ أداء الإنتاج الصناعي يفقد زخمه في ظل تراجع الاستثمار بأنشطة الأعمال على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة، إذ انخفض الإنتاج الصناعي في ديسمبر، مخالفاً التوقعات بهامش كبير، ومسجلاً الشهر الثالث على التوالي من الانكماش. كما انخفض إجمالي الإنتاج بنسبة 0.7 بالمئة، ليسجّل أكبر انخفاض شهري منذ سبتمبر2021. وساهم الانخفاض الحاد للإنتاج الصناعي والأنباء المتعلقة بتسريح المزيد من الموظفين في إشعال المخاوف دخول الولايات المتحدة حالة ركود بالفعل.
وعلى الصعيد المستهلكين، انخفضت مبيعات التجزئة الاساسية والإجمالية بنسبة 1.1 بالمئة في ديسمبر، بمعدل أضعف من المتوقع. واتسعت دائرة الخسائر على نطاق واسع، إذ سجل 11 مؤشراً فرعياً من أصل 14 مؤشر انخفاضاً شهرياً، مما يؤكد إحجام الأميركيين عن الإنفاق وسط استمرار ارتفاع معدلات التضخم والضغوط التي يتعرّض لها الدخل. وقد يؤدي انخفاض المبيعات إلى دفع تجار التجزئة والمطاعم إلى خفض الأسعار أو تثبيتها، ما سيساعد على خفض معدلات التضخم والحفاظ على تباطؤ وتيرة نمو الأسعار.
ولم يتمكن مؤشر الدولار من الدفاع عن نفسه في النطاق 102 من دعم «الفدرالي» المتشدد وأغلق الأسبوع عند 101.992.
استمرار معنويات التفاؤل في أوروبا
وقد تحسنت معنويات المستثمرين في ألمانيا بشكل حاد في يناير، ووصلت قراءة المؤشر أعلى المستويات المسجلة منذ فبراير 2022، إذ قفز مؤشر ZEW المعني بقياس ثقة الأعمال في ألمانيا بمقدار 40.2 نقطة إلى 16.9 نقطة، مقابل - 23.3 نقطة في ديسمبر، متخطياً التوقعات.
وللمرة الأولى منذ فبراير 2022، عادت قراءة المؤشر إلى المنطقة الإيجابية، وتزايدت معنويات التفاؤل بترجيح ركود هامشي في منطقة اليورو هذا العام، في ظل طقس الشتاء الأكثر دفئاً من المعتاد حتى الآن، ومع إمكانية وصول التضخم إلى ذروته بالفعل. وقد ساهمت الأوضاع المواتية على صعيد أسواق الطاقة وفرض الحكومة الألمانية حدا أقصى لأسعار الطاقة في تحقيق ذلك، وإضافة إلى ذلك، تحسنت ظروف التصدير للاقتصاد الألماني بعد رفع الصين القيود المتعلقة باحتواء كوفيد 19.
وترددت أنباء بشأن تفكير صانعي السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي في إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة بداية من شهر مارس. وكشف محضر اجتماع البنك المركزي في ديسمبر أن «عدداً كبيراً» من صانعي السياسة دعموا قراراً برفع سعر الفائدة 75 نقطة أساس، إلا أنهم توصلوا إلى حل وسط برفعها 50 نقطة أساس، مع الإبقاء على نبرة أكثر تشدداً في التعليق على السياسات.
وجادل البعض بأن رفع أسعار الفائدة بأقل من 75 نقطة أساس من شأنه أن يحمل رسالة خاطئة، ويخاطر باعتباره خطوة غير متسقة مع جهود خفض التضخم الى مستوى 2 بالمئة المستهدف، إلا أن ثبات وتيرة رفع سعر الفائدة والوقت الذي ظلت فيه أسعار الفائدة في المنطقة المقيدة يعتبران من العوامل الأكثر أهمية. وسيتيح رفع سعر الفائدة 50 نقطة أساس المجال أمام مجلس الإدارة بتشديد السياسة النقدية لفترة أطول.
وافتتح اليورو تداولات الأسبوع عند مستوى 1.0836 واستقر عند مستوى 1.0859، وذلك عقب تصريحات البنك المركزي الأوروبي المتشددة التي ساعدت العملة الموحدة في الحفاظ على استقرارها.
الجهة المقابلة من الأطلسي
وقد استمرت محدودية سوق العمل بالمملكة المتحدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة حتى نوفمبر، مع استقرار معدل البطالة دون تغيير عند مستوى 3.7 بالمئة وتسارع متوسط الدخل الأسبوعي إلى 6.4 بالمئة على أساس سنوي، مقابل 6.2 بالمئة في الأشهر الثلاثة المنتهية في أكتوبر.
وانخفض معدل التضخم للشهر الثاني على التوالي في ديسمبر، مما عزز الآمال في أن أسوأ أزمة تتعرض لها تكلفة المعيشة منذ جيل قد بدأت في الانحسار، وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 10.5 بالمئة في 12 شهراً المنتهية في ديسمبر 2022، مقابل 10.7 بالمئة في نوفمبر، ومقارنة بأعلى مستوياته البالغة 11 بالمئة في أكتوبر.
وكان انخفاض أسعار الوقود والملابس من أبرز العوامل الرئيسية التي ساهمت في التباطؤ بنهاية العام، إلا أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي ظل ثابتاً عند مستوى 6.3 بالمئة على أساس سنوي، بانخفاض هامشي فقط عن مستويات الذروة التي وصلت إلى 6.5 بالمئة في سبتمبر 2022.
ومع استمرار ارتفاع التضخم وتخطية مستوى 2 بالمئة المستهدف بخمسة أضعاف، إلى جانب موجة إضرابات عمال القطاع العام الغاضبين من عدم اقتراب أجورهم من تغطية زيادات الأسعار، تعهّد رئيس الوزراء ريشي سوناك بخفض معدل التضخم إلى النصف، ضمن التعهدات الخمسة الرئيسية لهذا العام. وقال وزير الخزانة، جيريمي هانت، إن أمامه المزيد من التحركات لخفض تكاليف المعيشة، وأضاف في بيانه: «التضخم المرتفع يعد كابوساً بالنسبة إلى ميزانيات العائلات، ويدمر الاستثمارات بقطاع الأعمال ويؤدي إلى إضرابات، لذلك، حتى لو كان ذلك صعباً، يجب الإبقاء على المسار الصحيح لخفضه».
وقام بنك إنكلترا برفع سعر الفائدة 9 مرات على التوالي منذ ديسمبر 2021. ويعتقد محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، أن المملكة المتحدة قد تجاوزت منعطف التضخم، وأن التضخم سينخفض «بسرعة هائلة» اعتباراً من أواخر الربيع، فيما يعزى إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار الطاقة. كما أشار أيضاً إلى أن تضخم الأجور، الذي ظل مرتفعاً وفقاً لأحدث البيانات، قد يبدأ أيضا في التراجع خلال الأشهر المقبلة.
وافتتح الجنيه الإسترليني تداولات الأسبوع عند مستوى 1.2218 وأنهى تداولات الأسبوع مغلقاً على ارتفاع، وصولاً إلى 1.2400.