«المركزي» العراقي بقبضة المالكي استعداداً لمفاوضات مع واشنطن
أطاح رئيس الحكومة العراقية بمحافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، وأعاد إلى المنصب المحافظ السابق علي العلاق، وهو حليف مقرب إلى نوري المالكي، زعيم الكتلة الشيعية التي ضمنت منح الثقة للحكومة.
وتقول مصادر رفيعة في بغداد، إن هذا جزء من تغييرات حكومية لتقديم «أكباش فداء» أمام الرأي العام الذي يعاني تذبذب أسعار الدولار بنحو يشكل زلزالاً متواصلاً منذ شهرين في السوق العراقي.
ولم يسبق للدينار العراقي في عهد ما بعد صدام حسين، أن مرّ بأزمة كالتي يمر بها حالياً، إذ لا يعرف له أحد سعراً ثابتاً، ما دفع التجار إلى رفع أسعار كل شيء تقريباً، في محاولةٍ لتعويض خسارات كبيرة تعرّضوا لها، داخل اقتصاد يعتمد عملياً على استيراد معظم السلع من الخارج.
ونتجت هذه الأزمة عن قيودٍ أميركية جديدة على تحويلات الدولار إلى العراق من الفدرالي الأميركي، في محاولة للسيطرة على تهريب ما يقدر بمئة مليون دولار كل يوم إلى ايران في خرق واضح للعقوبات الدولية. وتزامن ذلك مع وصول رئيس الحكومة الجديد محمد شياع السوداني إلى السلطة، ممثلاً للأطراف المتشددة في السياسة الشيعية، ما اعتُبِر أحياناً دليلاً على محاولة واشنطن تقييد «أرباح» طهران وحلفائها في عراق ما بعد مصطفى الكاظمي، العلماني الذي أقام علاقات جيدة مع الغرب والمحيط العربي.
وذكرت مصادر رفيعة في بغداد ل «الجريدة»، أن الإطاحة بمحافظ «المركزي» المقرب من الكاظمي، أبعد من مجرد تقديم كبش فداءٍ أمام الجمهور، فالسوداني ومن ورائه المالكي «يريد مسؤولاً يثق به في مفاوضات ضرورية مع واشنطن حول إدارة أزمة الدينار، والعلاقة التجارية مع إيران».
وأضافت المصادر أن «المالكي تحدث عن ضرورة إطلاق حوار عاجل مع واشنطن حول أزمة الدينار، وهو لا يستطيع أن يتقدم في هذا الملف إلا بشخص يثق به على نحوٍ مطلق، لذلك عاد إلى ذكرياته الأولى وأعاد علي العلاق إلى المنصب الذي سبق أن شغله في ولاية المالكي الثانية».
وتمثل السلطة المالية معركة متميزة في سيرة المالكي السياسية، إذ سبق له أن أطاح بمحافظ «المركزي» الأسبق، الراحل سنان الشبيبي، وهو شخصية مصرفية مرموقة دولياً، كان يعارض تدخلات المالكي في سياسات النقد، واختراقات إيران، وجاء بالعلاق بديلاً عنه، ثم أبعد الكاظمي العلاق عن المنصب، حتى عاد اليوم مكلفاً بالسيطرة على الدولار.
إلا أن خبراء المال في بغداد يقولون، إنه لا يمكن لأي شخص استعادة وضع الدينار، إلا إذا أقنع طهران بأن تكف عن شراء الدولار من السوق العراقي، أو أقنع واشنطن بتخفيف القيود الصارمة التي فُرِضت حديثاً على تحويلات الدولار إلى بغداد، خصوصاً أن العراق لا يمكنه نقل أرصدته إلى خارج الولايات المتحدة، لأنها الطرف الوحيد الذي يوفر «حماية دولية» لعوائد نفط العراق، أمام مئات آلاف الدعاوى القضائية التي تعود لأربعة حروب خاضتها البلاد خلال العقود الماضية.
ويقول رئيس الحكومة إن لديه أكثر من 10 إجراءات جديدة لمنع انهيار السوق، لكن الخبراء يعلقون على ذلك بأنه يبقى محدود التأثير، إذ ينبغي توفير 200 مليون دولار يومياً لاستقرار السوق، بينما الذي تسمح به أميركا حالياً لا يزيد على معدل 60 مليون دولار، ما رفع سعر الدولار إلى تخوم 1700 دينار، بعد أن كان قبل شهرين 1450، وهو تغيير أرهق التوقعات التجارية في بغداد.
وسيتوجب على المالكي أن يقنع العاصمة الأميركية بأن شخصية العلاق محايدة ولا تمثل اختلالاً في المؤسسات العليا، في ظل مخاوف واشنطن من تغييرات عميقة لمصلحة طهران، تشمل تدريجياً مؤسسات الأمن، والقوات المسلحة، والمخابرات، والمؤسسات المالية.