باشر الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أمس، إعادة بلاده إلى الساحة الدولية، بزيارة إلى الأرجنتين، الجارة والحليفة، تليها قمة إقليمية أميركية لاتينية، مركّزاً أولويته على الجوار الإقليمي قبل العالم، فيما يواجه مسائل داخلية داهمة.
وبعد ثلاثة أسابيع من بدء رئاسته وحوالي أسبوعين على الهجوم الذي شنه أنصار للرئيس السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو على مراكز السلطة في برازيليا، وصل لولا مساء الأحد إلى بوينس آيريس في زيارة رسمية، قبل المشاركة اليوم في قمة لمجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي «سيلاك» بحضور حوالي 15 رئيس دولة.
ويختتم الرئيس اليساري غداً في الأوروغواي أول رحلة دولية من ولايته، قبل أن يستقبل نهاية الشهر الجاري في برازيليا المستشار الألماني أولاف شولتس، ويتوجه في 10 فبراير إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركي جو بايدن.
وترتدي زيارة لولا للأرجنتين أهمية جوهرية، إذ إن بلاده هي الشريك التجاري الأول للدولة المجاورة، فيما الأرجنتين هي الشريك الثالث للبرازيل.
غير أن المسافة العقائدية بين حكومة ألبرتو فرنانديز من يسار الوسط وبولسونارو اليميني المتطرف و»تغيّب الأخير عن المنتديات الدولية، جعلا من الصعب جداً التوافق على مجموعة كاملة من المواضيع»، على ما أوضحت المتحدثة باسم الرئاسة الأرجنتينية غابرييلا سيروتي.
وستسمح هذه الزيارة بإبرام اتفاقات ثنائية واسعة النطاق في عدة مجالات مثل الطاقة والعلوم والصحة والزراعة والمال وغيرها، مما يشكل بحسب الرئاسة خطوة نحو «اندماج على غرار ما نحلم به منذ سنوات» بين بلدين يمثلان الاقتصادين الأول والثالث في أميركا اللاتينية ويتسمان ب «أهمية كبرى للعالم بوجه التحديين القادمين، الانتاج الغذائي والطاقة».
ولهذه الزيارة قوة رمزية كبرى بالنسبة لأميركا اللاتينية، إذ سترسي القمة عودة البرازيل إلى سيلاك، بعدما سحبتها منها حكومة بولسونارو في يناير 2020 متهمة المنظمة، التي أنشئت عام 2010 بإعطاء «الدور الأبرز لأنظمة غير ديموقراطية» مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا.
وأوضح المدير الأكاديمي لمركز العلاقات الدولية البرازيلي فيليسيو دي سا غيماريس، أن «حكومة بولسونارو كانت تعتبر أميركا اللاتينية بمنزلة مشكلة وليس حلاً على صعيد السياسة الخارجية، وهي رؤية فائقة السلبية».
والواقع أن «سيلاك» ليست هيئة اندماج إقليمي بل منتدى حوار وتعاون للمنطقة، غير أنّها المنظمة الوحيدة التي تجمع دول المنطقة، باستثناء الولايات المتحدة وكندا، والمحاور الإقليمي الوحيد الفعلي للاتحاد الأوروبي والصين.
ورأى المحلل البرازيلي أن العودة إلى «سيلاك» هي «خطوة أولى»، موضحاً أنّه إن كان «لولا يسعى لإنعاش دور قيادي ما»، فإن تحقيق ذلك فعلياً «يتطلب من القدرات والوقت أكثر بكثير مما تملك البرازيل» وخصوصاً على صعيد «الوسائل الاقتصادية».
كما أن عودة البرازيل لا تعني إعطاء الأولوية للمنطقة، وشدد وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا بهذا الصدد السبت على أن «تعليمات الرئيس الأساسية كانت واضحة: إعادة بناء جسور ليس فقط مع أميركا اللاتينية وإفريقيا، بل كذلك مع الولايات المتحدة والصين وأوروبا، بقدر مساو من الأهمية والأولوية».
وفي مطلق الأحوال، هل يمكن الجزم بأن الدور القيادي هو الأولوية بنظر لولا عام 2023، بعد أكثر من عقد على اضطلاعه بدور المحرك لمجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة المؤثرة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) أو دور المروج لسيلاك نفسها؟
اعتبر بيرنابي مالاكالزا الباحث في العلاقات الدولية في مركز «كونيسيت» الوطني الأرجنتيني للأبحاث أن «أي تطلع لدى لولا إلى القيادة في سياسته الخارجية سيصطدم بالمسائل الداخلية الداهمة».
وفي تعليق على أحداث 8 يناير، قال مالاكارزا: «جروح البرازيل مفتوحة، وفي الأفق الحالي سيكون التحدي الأكبر بوجه لولا إعادة تشكيل نسيجها الديموقراطي».
وأضاف: «إن لم تنقلب النزعة إلى التسلط والتطرف لدى شريحة من المجتمع البرازيلي، وإلى ممارسة الجيش وزناً متزايداً على السياسة، فإن البرازيل ستخسر قاعدة أساسية لتصبح قوة دولية موثوقة يمكن أن تحظى بالقبول».