«جاسيندا» النيوزيلندية... ماذا فعلت بنا؟
تخيلت نفسي للحظات أنني مواطن نيوزيلندي ينعم بالعيش في ظل سلطة تقودها «سيدة الرجال» وتدعى «جاسيندا أرديرن» حين وقفت أمام كاميرات التلفزيون والصحافة لتعلن «لم يتبق شيء في الدبابة، ولم أعد أملك ما يمكن أن أعطيه»، لذلك قررت التنحي عن خدمة البلد بعد خمس سنوات من تسلمها السلطة والتفرغ لتربية ابنتها التي حملتها يوماً على كتفها وهي على مقاعد الأمم المتحدة؟
عدت إلى رشدي وصحوت من التوهان في عالم من الخيال الكاذب، فأنا ما زلت في محيط يندر أن تسمع فيه عن «رجل سياسة كبير» قرر أن يستقيل أو يبتعد عن «الكرسي» بقناعة لشعوره أن شعبيته تراجعت أو أن ظروف بلده الاقتصادية تهاوت، أو أن استطلاعات الرأي تشير إلى هبوط أسهمه بدرجة مخيفة!
من جديد وضعتُ عبارتها أمامي «لم يعد عندي ما أعطيه» نفدت الذخيرة ولذلك قررت الرحيل، يا ترى من في «عالمنا الثالث» أو «الرابع» لديه القدرة أو الجرأة أن يحذو حذو «جاسيندا»؟
يبدو أنني ما زلت أحلم ولم أصحُ بعد، لأن التشبيه بنيوزيلندا ليس في محله، فعندهم السلطة ليست مصدراً للإثراء أو الاستبداد، بل «خدمة عامة» يؤدونها مقابل الفتات من المال ودون امتيازات تذكر؟
«جاسيندا» تذكروا هذا الاسم جيداً فقد أسرتْ قلوب العالم بعد أن وضعت بلادها على الخريطة، كما تقول التقارير الإعلامية، وأصبحت رمزاً عالمياً للسياسات ذات الميول اليسارية وللنساء في القيادة، تميزت بالتحدث بشفافية وإيجابية خصوصاً في الأزمات التي عصفت بنيوزيلندا، عندما وقعت جريمة ضد المسلمين وارتدت الحجاب، وقالت لهم «متحدون في الحزن» وتصدت لموجة العنصرية والكراهية وبقوة، وكانت من بين القلائل الذين اتبعوا استراتيجية عدم التسامح تجاه وباء كورونا، وأبقت النيوزيلدنيين في مأمن من الفيروس.
الجديد في استقالة «جاسيندا» أنها أضاءت لنا عن حقيقة السكان الأصليين لبلادها والذي يمتد إلى 5 آلاف سنة، وكيف تم إدماجهم مع الأوروبيين الذين غزوا بلادها واستعمروها وباتوا جزءاً لا يتجزأ من ثقافة وقيم وعادات الشعب النيوزيلندي.
تقول الإحصاءات إن شعب «الماوري» وتعني «المألوف» MAORI وهم سكان نيوزيلندا الأوائل لديهم ممثلون في البرلمان، حافظت الدولة على لغتهم الخاصة بهم، وفتحت لهم قنوات تلفزيونية، وجرى تعويضهم بتقديم الحكومة مبلغ 900 مليون دولار للمستوطنات والأراضي المصادرة منهم. المفاجأة كانت ستحدث لولا اختيار حزب العمل لكريس هيبكينس كمرشح يحظى بالإجماع ليتولى رئاسة الوزراء بعدما تقدت وزيرة العدل، وهي من أصل «ماوري» لتتولى رئاسة الوزراء باعتبارها الأوفر حظاً، ولو تحقق ذلك لكانت أول رئيسة وزراء تنتمي إلى السكان الأصليين.
انظروا اليوم إلى أين آلت حالة «الهنود الحمر» في الولايات المتحدة الأميركية والجرائم التي ارتكبها كريستوف كولومبوس بحقهم من إبادة وتعذيب ونبش قبور، في حين نيوزيلندا حمت وحافظت على أصل سكانها وعملت على إدماجهم، وكيف تعاني الأقلية في أستراليا من تهميش وعنصرية وهم السكان الأصليون والمعروفون باسم «الأبورجيين».
أجمل الهدايا
أجمل الإهداءات هدية كتاب وأجمل الكتب هاديها، هكذا كانت الحال يوم تلقيت هدية الشاعرة والإنسانة الجميلة الدكتورة سعاد محمد الصباح التي تركت في نفسي أثراً إيجابياً بالكتب التي دونت عنها أو دونتها وهي «أنت وأنا والليل» و«سعاد الإنسانة– عاشقة الوطن» بجزأيه، فالشكر لمن أعطى وقدم من كلمات صادقة.