في الصميم: كيف ينجو بلد وهو بلا علم ولا نزاهة؟
قلناها ونكررها بأن النتائج المبهرة للاختبارات الدراسية الأخيرة والسنوات الكثيرة التي سبقتها لا تعكس إطلاقا التفوق العلمي الحقيقي، إنه «تفوق وهمي» أطلق بعد تكشّف الشبكة الإجرامية التي سرّبت أجوبة الامتحانات، وهو وصف حقيقي لطلبة غشّوا وحصلوا على درجات عالية جدا تؤهلهم لدخول أكبر الجامعات وأفضلها بلا مجهود ولا دراسة، وسيحصلون على ما تسميه اللجنة التعليمية زوراً على مكافآت مالية تكلف الدولة مئات الملايين من الدنانير، نتائج ظالمة جاءت على حساب الطلبة الحقيقيين الذين اجتهدوا وسهروا الليالي لكنهم حُرموا من دراساتهم العليا لعدم حصولهم على ما حصل عليه «المتفوقون وهميا».
نحو أربعين ألف طالب مزور هي حصيلة أولية للتحقيقات الأخيرة، هذا العدد المعلن أما المخفي فبالتأكيد أعظم، والأعظم إذا ما أضيفت إليهم الأعداد الهائلة من الغشاشين الذين تسربوا إلى الجامعات وإلى سوق العمل، فهذه الأعداد المهولة من الغشاشين على مدى سنوات نراهم الآن يحلّون ويربطون مصير هذا البلد المبتلى بهم، فمنهم وزراء ونوائب ورجال أمن وحتى في السلك الذي يحكم بين الناس.
لا نعتقد أن القبض على شبكة الغش ومحاسبتها وسجنها بكافٍ ما لم تلغ جميع نتائج الغشاشين ومعاقبتهم بحرمانهم من سنتهم الدراسية، وهي فرصة الآن بما أن «الحديدة لاتزال حامية» بأن تراجع مرة أخرى نتائج اختبارات العام الحالي والفائت وما سبقه، فلا يعقل أن يحصل طلبة على نسب ال100% وال98% ما لم يكن هناك غش، ولا يعقل بأن أحدا في وزارة التربية لم يشك في تلك النتائج، أو لم يقرأ التحذيرات من المختصين الكويتيين، ولن يكشف ذلك من دون اختبار قدرات.
مخرجات التعليم في الكويت فاشلة ومتدنية إلى حد الخطر، وكثرة الإجازات تزيد الأمر سوءاً، وتواضع مستوى المعلمين لا تخطئه العين، وكثرة الدروس الخصوصية تشهد على ذلك، والاستخفاف بالتعليم واضح لا لبس فيه، وحتى الآن لا يبدو أن هناك أي جدية للدّراسة الحقيقية، فهناك خواء تعليمي واضح، فمعظم مخرجات التعليم في الكويت لا يُعتدّ بها، ويغلب على خريجيها ضحالة التعليم الذي يصل الى حد الجهل، أما المثير للسخرية والاستهجان فهو دأب وزارة التربية على توزيع ملايين الدنانير سنويا على أكثر من 80 ألفاً من منتسبيها بحجة أعمال ممتازة، فأي أعمال ممتازة والتعليم يتدنى سنوياً باعتراف مسؤولي الوزارة نفسها؟
كلما زاد الجهل وانعدم العلم تفاقمت مآسي الأمة، وقد قيل: الجهل والفقر يؤديان الى الإجرام، والجهل والثراء يولدان الفساد، والجهل والحرية يولدان الفوضى، والجهل والسلطة يولدان الاستبداد، والجهل في الدين يؤدي الى التطرف، وها نحن نرى ما يحصل حولنا، فقد زادت الجرائم، والتطرف والفساد، والفوضى ضاربة أطنابها.
نقول: ما حصل ويحصل جريمة في حق الكويت، وهو تدمير للقيم والأخلاق، إنها أفعال دخيلة لا تمتُّ إلى تقاليد الكويت وعاداتها، والكويت لن تنجو من شرك الفساد والغش والتزوير ما لم توسّد الأمور إلى أصحابها من ذوي النزاهة والعلم والخبرة والحنكة والوطنية، فليس هناك بلد ينجو وهو بلا علم ولا نزاهة.
اللهم نسألك أن تنجي بلدنا من الجهل والفساد، والغش والتزوير، والراشين والمرتشين، واقتصَّ اللهم من سرّاق المال العام، الأحياء منهم والأموات، والحاضرين منهم والهاربين.