مجلس السَّوء بفتح السين، أعني به أسوأ مجلس عرفته الكويت في تاريخها البرلماني، ولا يملك صفة من صفات الخير، فما قدمه بعض النواب من مقترحات خلال الأشهر الأربعة الماضية يركزون فيها على نهب ثروة الدولة والتفريط في الهوية الوطنية لتحقيق مكاسب خاصة وترضية ناخبيهم، فأمر خطير أن يتشكل غالبية مجلس الأمة الكويتي من أعضاء يهتمون بمصالحهم الخاصة ويتجاهلون مصلحة الدولة ومستقبلها الأمني والمالي والاجتماعي ومستقبل الأجيال القادمة.
وقد يعتقد بعض الناس أن نظامنا التربوي المدرسي قصّر في غرس السلوك الديموقراطي السليم في سلوك الناشئين، ليمكنهم من أن يتحولوا إلى ناخبين جيدين يحرصون على اختيار العضو الصالح القادر على خدمة وطنه ويراعي مصالحه، وكذلك إذا تم انتخابهم ليكونوا أعضاء جيدين لرسالة المجلس، وكيف يؤدونها بإتقان وأمانة.
قد يكون هذا رأيا صحيحا، فالتربية المدرسية لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية، لكن هناك عوامل أخرى تؤثر في تنشئة الفرد قد تكون أقوى من التربية المدرسية، مثل الانتماءات العائلية والقبلية والطائفية والحزبية والأصحاب، وهناك من يرى أن التعديل الذي أُجري على قانون الانتخاب بعد التحرير من الاحتلال، والذي تمكّن بموجبه المتجنسون من حق الترشخ والانتخاب، هو العامل القوي المؤثر في هذه المعادلة، حيث أفرز كتلة انتخابية كبيرة جديدة لها اهتماماتها الخاصة.
المهم نحن نواجه أزمة حادة نتمنى أن نعالجها بحكمة ورويّة، وسبب هذه الأزمة مجلس الأمة الذي كان مفخرة للكويت ويساهم في معالجة مشاكلها ويحرص على استقرارها، أصبح مشكلة يتفنن كثير من أعضائه في ابتكار الأزمات والعبث، وسبب الأزمة كما أشرنا المقترحات المالية الباهظة التكاليف وغير المدروسة، والتي ستؤثر سلبا في أمن الدولة المالي والاقتصادي والاجتماعي، وطلبت الحكومة من المجلس إعادة تلك المقترحات إلى المجلس لدراستها في اللجان المختصة مع الحكومة.
وقدم رئيس اللجنة المالية البرلماية للمجلس تقريرا يفيد، بأن اللجنة المالية ستتخلى عن الطلب الخاص بشراء القروض المكلف ماليا، بشرط أن تتعهد الحكومة بتنفيذ المقترحات الشعبوية الأخرى، كزيادة الرواتب ومعاشات المتقاعدين ومساعدة ربات البيوت، وكان رد الحكومة واضحا ومفاده، أن الحكومة لن تحضر اجتماعات المجلس، إلا إذا أعيدت جميع المقترحات إلى المجلس ودراستها في اللجان المختصة مع الحكومة.
ومع إصرار المجلس على مطالبه غير المحقة، وإصرار الحكومة على رفضها، قدمت الحكومة استقالتها لعدم تمكنها من التعاون مع المجلس، ومع تأييدنا لموقف الحكومة الرافض لمطالب الأعضاء العبثية، فإننا نستنكر قرارها في منح أعضائها ومن تريد معاشات استثنائية باهظة التكاليف، فإذا كانت الحكومة صادقة في حرصها على أموال الدولة، فيجب أن تكون قدوة في سلوكها لغيرها، ولا تتناقض في تصرفاتها،
والشاعر يقول في هذا الشأن:
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ.