تحسّنت العلاقات الأسترالية - الصينية بدرجة كبيرة بعد فوز حكومة حزب العمال الأسترالي في الانتخابات، في شهر مايو، وبعد سنوات من الجمود الدبلوماسي، شهد النصف الثاني من عام 2022 اجتماعات ثنائية بين وزراء الدفاع والخارجية وبين قادة البلدَين.
سافرت وزيرة الخارجية الأسترالية، بيني وونغ، إلى بكين في الأسبوع الماضي للمشاركة في الحوار الخارجي والاستراتيجي بين أستراليا والصين بحضور نظيرها الصيني وانغ يي، في 21 ديسمبر، وقد تزامنت هذه المناسبة مع الذكرى الخمسين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
اعتبرت وونغ ذلك الاجتماع لاحقاً «خطوة أخرى نحو تجديد استقرار العلاقات بين البلدين»، وكتبت على تويتر: «أستراليا مقتنعة بأننا نستطيع تطوير علاقتنا الثنائية وحماية مصالحنا الوطنية إذا تعامل البلدان مع اختلافاتنا بحكمة».
أدى استئناف الحوار بين شخصيات رفيعة المستوى إلى تجديد التفاؤل بتطوير روابط أكثر ودّاً في المرحلة المقبلة، وعادت عبارة «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» إلى الواجهة واستُعمِلت مجدداً من الطرفَين، ومع ذلك، تبقى الحكومة الأسترالية حذرة في مواقفها، فقد شدد الوزراء على نيّتهم «تجديد استقرار» هذه العلاقة بدل «إعادة ضبطها». يبدو أن أستراليا أعادت اكتشاف قوة الدبلوماسية في علاقتها مع الصين خلال عام 2022، لكنها قد تتشجع على اختبار حدود تلك القوة في عام 2023، وتبدو حكومة أنتوني ألبانيز أكثر براعة من الحكومة السابقة على المستوى الدبلوماسي، لكن ثمة تفاوت واضح اليوم بين الخطابات والوقائع المرتبطة بالعلاقات الأسترالية الصينية، وبما أن كانبيرا تتابع اتخاذ خطوات ملموسة للتصدي لقوة الصين العسكرية والاقتصادية ونفوذ نظامها (اعتبرت بكين جزءاً من تلك التدابير أداة لإخضاع الصين)، قد يشهد عام 2023 تطورات جديدة تعود وتؤجج الخلافات في الروابط الثنائية.
هذا الوضع يطلق السؤال التالي: ما آفاق هذه العلاقة في عام 2023؟ وما التحديات الراهنة والناشئة أمام البلدين؟
قد تفرض خمس مسائل أساسية ضغوطاً متزايدة على العلاقات الأسترالية الصينية في السنة المقبلة: مقتنيات الدفاع وتوثيق الاصطفاف الاستراتيجي مع واشنطن، ميناء داروين واحتمال إنهاء المراجعات الحيادية، تغيير طريقة استعمال سلاسل إمدادات المعادن الأساسية، لا سيما الليثيوم، المنافسة الأمنية في جزر سليمان، تأثير القرارات على استقلال منطقة «بوغانفيل».
لكن قد لا تقتصر التحديات المرتقبة على هذه القائمة، فقد شَهِد عام 2022 مثلاً عدداً من المواجهات الخطيرة بين الطائرات العسكرية والسفن البحرية الصينية والغربية، واقترحت وونغ تطوير توجيهات لتنظيم هذه العمليات، لكن غياب هذا النوع من حواجز الحماية يعني أن احتمال تحوّل الحوادث أو الحسابات المغلوطة إلى صراعات لا يزال قائماً. من الناحية التقنية، تُعتبر علاقة أستراليا مع الصين «شراكة استراتيجية شاملة»، فقد تحمّلت الصين من جهتها التفاوت بين تعريفها للروابط الثنائية مع حلفاء واشنطن والوقائع المرتبطة بها، وتُعتبر «شراكة التعاون الاستراتيجي» مع كوريا الجنوبية خير مثال على ذلك، لكن المصالح الوطنية والمواقف الاستراتيجية المتباينة بين أستراليا والصين بدأت تُوسّع ذلك الشرخ، حتى أن القرارات الصعبة التي تنوي كانبيرا اتخاذها في عام 2023 قد تجعل هذا التناقض يتجاوز العتبة المقبولة.
مع اقتراب كانبيرا من هذه المنعطفات الخطيرة، يواجه البلد مهمة شائكة تقضي بالتوفيق بين الحاجة إلى الحفاظ على المجاملات الدبلوماسية وضرورة إطلاق موقف دبلوماسي يُعبّر عن التوقعات المناسبة، فهل يسمح توثيق التحالف بين أستراليا والولايات المتحدة إذاً بإنشاء تناغم بين نظرة كانبيرا إلى علاقاتها مع بكين ومقاربة واشنطن، مما يعني إدارة هذه العلاقة الصدامية بطريقة مدروسة؟ قد يشير أي تحوّل في هذا الاتجاه إلى طريقة تعامل كانبيرا مع التحديات الآنف ذكرها في السنة المقبلة.
* كوري لي بيل وإيلينا كولينسون